بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- ذكر الملائكة الموكلين في السماوات والأرضين. قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم قال: حدثنا ابن الحميري قال: قال لي عمار بن ياسر رضي الله عنه: ألا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بلى قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن لله تبارك وتعالى ملكا أعطاه أسماء الخلائق كلهم فهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي صلى علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه فقال: يا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا صلى عليك فلان فيصلى الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحد عشرا } . قال حدثنا محمد بن زكريا القرشي قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن الأعمش قال: سألت مجاهدا رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } قال: هم الملائكة. قال حدثنا حامد بن شعيب قال: حدثنا سريج بن يونس قال: حدثنا هشيم عن الهيثم بن جماز عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وحدثنا حامد قال: حدثنا سريج بن يونس وأخبرنا ابن أبي عاصم قال: حدثنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حدثنا آدم قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض } . قال أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه في قوله عز وجل: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } قال: { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلتي رفرف قد سد ما بين السماء والأرض } . قال أخبرنا ابن أبي عاصم قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { رأيت جبريل عليه السلام مهبطا قد ملأ ما بين الخافقين عليه ثياب سندس معلق بينها اللؤلؤ والياقوت } . قال حدثنا أبو بكر البزار قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن ابن أشوع عن الشعبي عن مسروق قال: قلت عائشة -رضي الله عنها- { أرأيتِ قوله عز وجل: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } قالت: جبريل عليه السلام كان يأتيه في صورة الرجل وأنه أتاه هذه المرة في صورته التي صورته.. } . قال حدثنا أحمد بن محمد البزار قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورته عند السدرة له ستمائة جناح } . قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن داود قال: حدثنا إسحاق بن بشار قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة عن سلمة بن أبي الأشعث عن أبي صالح عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: { وددت أني رأيتك في صورتك قال: وتحب ذاك قال: نعم قال: موعدك كذا من الليلة بقيع الغرقد فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم موعده فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى من السماء شيء } . قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن معدان قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا مهران قال: حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن مرة عن عبد الله رضي الله عنه { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } قال: رأى على ساقيه الدر كالقطر على البقل. قال حدثنا الوليد قال: حدثنا محمد بن النصر قال: حدثنا بكر عن قيس بن وهب عن مرة عن عبد الله { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } قال: { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل معلقا رجليه بالسدرة عليها الدر كأنه قطر المطر على البقل } . قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك قال: حدثنا مؤمل بن إهاب قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثنا حسين بن عبد الرحمن عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أتاني جبريل في خضر معلقا به الدر } . قال حدثنا الوليد بن أبان قال: حدثنا أبو العباس الحسين بن علي قال: قرأ علي عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي نزل به الروح الأمين قال: جبريل عليه السلام. قال حدثنا عمر بن بحر قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبريل عليه السلام في الملائكة خادم ربه عز وجل قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن داود قال: حدثنا الحسين بن السميدع قال: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال: حدثنا ابن فضيل عن مجالد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { روح القدس جبريل عليه السلام } . قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عمران قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: حدثنا أبو سنان عن ثابت عن الضحاك رحمه الله تعالى { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا } قال: الروح جبريل عليه السلام. قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك قال: حدثنا مؤمل بن إهاب قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا حسين بن واقد قال: حدثني عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { رأيت جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح } . قال حدثنا إبراهيم الإمام قال: حدثنا سعيد بن أبي زيدون قال: حدثنا الفريابي عن قيس عن عاصم عن عبد الله رضي الله عنه قال: { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } قال: { رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته له ستمائة جناح ما منها جناح إلا قد سد ما بين المشرق والمغرب } . قال حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد رحمه الله تعالى قال: { لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله عز وجل إلى عبده ما أوحى قال: فلما أحس جبريل بدنو الرب تبارك وتعالى خر ساجدا فلم يزل يسبحه سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثم قضى الله عز وجل إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي وكنت أحيانا لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال } . قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدثنا يعقوب القمي قال: حدثنا جعفر عن سعيد رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } أي جبريل صلى الله عليه وسلم { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } أي أربعة من الملائكة مع جبريل "ليعلم" أي محمد { أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } قال: وما نزل جبريل بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة من الملائكة. قال حدثنا عبد الرحمن بن داود قال: حدثنا هلال بن العلاء قال: حدثنا موسى بن أيوب النصيبي قال: حدثنا حجاج بن محمد عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أول من يشفع يوم القيامة جبريل ثم ميكائيل ثم عيسى أو موسى ثم أقوم أنا الرابع } . سمعنا هذه الأحاديث والآثار تتعلق بالملائكة وبالأخص ملك الوحي الذي هو جبريل عليه السلام ذكر العلماء أن وظيفة جبريل أن ينزل بالوحي؛ لأن الوحي به حياة القلوب, وأن إسرافيل موكل بالقطر القطر الذي هو الماء والمطر؛ لأن به حياة النبات وحياة الأرض. ذكروا أن جبريل عليه السلام ينزل على الملائكة كلهم, وفي قصة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم, أول ما نزل عليه يقول: { إنه جاءه وهو في الغار في صورة رجل يقول: فغطني, قال: لي اقرأ, قلت: ما أنا بقارئ, فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد, ثم قال: اقرأ, قلت: ما أنا بقارئ } أي: لا أحسن, ولا أعرف القراءة, جاءه في صورة إنسان, ولكن لا يراه غيره, ولما رجع إلى أهله قالت له امرأته التي هي خديجة إذا جاءكَ فأخبرني, جاءه وهي لا تراه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يراه, فقالت: إن كان من الجن فإنه سيقرب في حالتها وضعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجرها, وأبدت شيئا من جسدها- ساقيها وعضديها- فلم يقرب, بل ذهب. قالت: لو كان رئيا- يعني من الجن- لما هاب، وأقبل, فلما ذهب دل على أنه من الملائكة الذين يحترمون أو يحتشمون أن يقربوا منها وهي على تلك الحال ما تراه, والنبي صلى الله عليه وسلم يراه؛ لأن الله تعالى خص الأنبياء بأن يروه إذا نزل, ويعلموا بنزوله, ولا يراه من حولهم.. ينزل بالوحي. ورد في نفس الحديث, أو في القصة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم فَتَرَ عنه الوحي بعد أن نزل عليه لأول مرة, ولما فتر وافتقده عند ذلك صار يشتاق إليه حتى إنه يهم من الشوق إليه أن يتردى من رءوس الجبال, فإذا صعد ناداه الملك وقال: يا محمد أنت رسول الله, وأنا الملك جبريل فيسكن روعه } وفي القصة أيضا أنه سمع صوته. يقول: { فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني في حراء جالس على كرسي بين السماء والأرض يقول: فرعبت منه فقلت: دثروني- يعني غطوني- فجاء ونزل عليه بـ { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } إلى آخرها } وصفه الله تعالى بالقوة في قوله تعالى: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى } الْمِرَّة: القوة, شديد القوى علمه, يعني: أنزل عليه هذا الوحي هذه صفة من صفاته أنه ذو مرة يعني ذو قوة وذو شدة. كذلك أيضا في تفسير قول الله تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب رؤية جبريل فرآه قد سد الأفق, رآه بالأفق.. الأفق واحد الآفاق, يعني: أفق المشرق, يعني: الشرق كله.. أفق المغرب, يعني: جهة الغروب, يقول: إنه رآه بالأفق المبين, أي: بيّن, وأنه قد سد الأفق. ورد في الحديث أن له ستمائة جناح, وإنه -كما سمعتم- نشر جناحا واحدا, ذلك الجناح سد الأفق, أي سد جهة المشرق, أو جهة المغرب, أليس ذلك دليلا على عظمة خلقه؟ على عظم خلقته التي خلق عليها، وإذا كان له ستمائة جناح, والجناح الواحد يسد الأفق, فكيف تكون بقية الأجنحة؟! وكيف يكون بقية ذاته؟! لا شك أن هذا دليل على عظمة مخلوقات الله تعالى, إذا كانت هذه عظمة هذا المخلوق, فكيف بعظمة الخالق؟! والواقع أن جبريل عليه السلام الذي هو ملك الوحي دائما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورة إنسان, فجاءه مرة في صورة رجل غريب, رجل كما في حديث عمر: { شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يُرَى عليه أثر السفر, ولا يعرفه منهم أحد, هذا جاءه في صورة إنسان, ولما انتهى من الأسئلة وكلمه وأجابه وانصرف قال لهم: ردوه. فذهبوا في أثره, فلم يروا شيئا, اختفى فأخبرهم بأنه جبريل عليه السلام, وأنه جاءهم ليعلمهم دينهم.. } جاء في صورة إنسان. كذلك ذكر أنه كان يتمثل كثيرا في صورة دحية الكلبي فتقول أم سلمة إنها رأته مرة دحية إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا هو يكلمه, ولكنها لا تسمع كلامهما, ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وصعد المنبر وتكلم وقال: { أتاني جبريل فأوحى إلي, أو أخبرني بكذا وكذا } فعرفت أنه ذلك الرجل الذي جاءه. في هذه الصورة سماه الله تعالى روحا قال: تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } أي جبريل عليه السلام وصفه الله تعالى بالروح, وذلك لأن الملائكة أرواح, ولهذا لا يراهم الناس؛ أي أن أصل خلقتهم أرواح, فهو روح, ولكن وصف بأنه أمين, نزل به الروح الأمين، وكذلك وصف أيضا بصفات في قول الله تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } هذه صفاته, قول رسول: يعني أن هذا القرآن تبليغ بلّغه هذا الرسول- الذي هو هذا الملك- وأنه أمين, وأنه كريم, أي: كريم على الله تعالى؛ لأنه من عباد الله المكرمين, ومن عباده المطيعين الذين يمتثلون ما أمر الله به. فهو كريم, وإنه ذو قوة؛ أي قدرة واستطاعة وتمكن, قوة قوية, يقدر على ما أقدره الله عليه مما لا يقدر عليه غيره. ذكر في بعض القصص أن الله تعالى أمره أن يقلب على قوم لوط ديارهم, وإنه رفع قراهم- رفع قراهم بأمر الله تعالى- حتى سمع أهل السماء نبح كلابهم, ثم قلبها عليهم, يعني: قلب ديارهم, كما قال: تعالى: { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } هكذا قوة هذا الملك: أنه رفع تلك القرى بجناح من أجنحته! لا شك أن هذا دليل على ما أعطاه الله تعالى من القوة, الله تعالى قادر على أن يقلب بلادهم دون أن يأمر الملك بقلبها, ولكن ليدل على امتثال الملائكة أمر الله تعالى، وَصَفه بأنه ذو قوة عند ذي العرش مكين؛ أي له مكانة عند ذي العرش, أي: عند الله الذي هو رب العرش. وكان هو الذي ينزل بالوحي على نبينا صلى الله عليه وسلم, حتى قال بعضهم: إنه نزل عليه أكثر من أربعة آلاف مرة، ينزل بالقرآن آية آية أو آيات أو سورا, وينزل أيضا بالأحكام وبالأوامر والنواهي, وأنه لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاةُ جاءه الملك الذي هو جبريل وقال: يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك, ولم يستأذن على أحد قبلك, ولن يستأذن على آدمي بعدك, إلى آخره! هكذا جاء، وأنه لما قبض أو عند قبضه. قال: سلام عليك هذا آخر موطئ أطؤه في الأرض, إنما كنت أنت حاجتي من الأرض! يدل على أنه كان ينزل عليه بالوحي. وأما صفته فلا يقدر أحد أن يتمكن من وصفه؛ لكونه من علم الغيب, ولكونه مما حجبه الله تعالى عن البشر. قد يتمثل بصورة إنسان, وقد يتمثل بغيرها, فهو الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به, أيقظه وجاء به إلى البيت إلى المسجد الحرام وشقّ قلبه, وغسله وملأه حكمة وإيمانا, وركب معه على البراق-دابة- كما ورد في الحديث يضع حافره عند منتهى طرفه, يعني سريع السير. وكذلك أيضا لما وصل إلى بيت المقدس قدمه ليصلي بالرسل هناك؛ يعني أحياهم الله أو أحضرت أرواحهم فصلى بهم. كذلك أيضا عرج به إلى السماء وقت الإسراء فلما جاء إلى السماء استفتح فقيل من هذا؟ فقال جبريل قيل: ومن معه؟ قال: محمد قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, فجاءوا وفتحوا، قالوا: مرحبا به وبمن جاء معه! وهكذا في السماوات سماء سماء، إلى أن وصل إلى السماء السابعة, وهناك - شجرة المنتهى- سدرة المنتهى, ولذلك قال تعالى: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } أي: رآه على صورته التي خُلِقَ عليها, فيكون رآه مرة في الأرض لما سد الأفق على صورته التي خلق عليها, وهي المذكورة في سورة التكوير: { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } ثم رآه مرة أخرى فوق السماء السابعة على صورته, وهي المذكورة في قوله: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } . لا شك أن هذا كله دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى, حيث جعل من خَلْقه هؤلاء الملائكة الذين خلقهم وصورهم وحجبهم عن رؤيتنا, كما قال الله تعالى عن إبليس: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } وجعل خلق الإنسان من هذا الجسد الذي ينمو, والذي له وزن وثقل، وخلق هؤلاء كما شاء والله على كل شيء قدير. |