............................................................................... أما الذين آمنوا إيمانا مُعَلَّقا فإنهم رجعوا أو تذبذبوا، وهم المنافقون, كان هناك طائفة آمنوا ظاهرا, ولكن لم يطمئنوا بالإيمان, لم يدخل الإيمان في قلوبهم, لم تمتلئ به قلوبهم، بل { قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } ؛ فلذلك صاروا مذبذبين, قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } فكأنهم قالوا: نحن مع المؤمنين في الظاهر، ومع الكفار في الباطن، ثم نحن مع الغالب. إن غلب المؤمنون قلنا: أعطونا من الغنيمة, فإننا معكم، وإن غلب الكفار قلنا: أعطونا, أو لا تعاقبونا, فإننا معكم في الباطن. فهؤلاء ليسوا بمؤمنين حقا, نفى الله تعالى عنهم الإيمان في قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } أي: ليسوا حقا من المؤمنين، إنما هم من المنافقين الذين يُظْهِرُون الإيمان، ولكنهم لم يطمئنوا به, ففرق كبير بين المؤمنين حقا, وبين المنافقين وبين الكفار. فالمؤمنون أولا نظروا في آيات الله وفي مخلوقاته فعرفوا أنه هو الإله الحق، فحملهم ذلك على التصديق بأنه لا إله غيره، وأنه هو المعبود وحده، نظروا في الدلالات التي استدل بها على كمال قدرته، قرءوا في القرآن قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } وغير ذلك من الآيات، فعرفوا أنها آيات بينات دالة على قدرة الرب تعالى. ثم ثانيا نظروا في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأوا أن معجزاته تدل على صدقه, وعلى صحة ما جاء به. لو لم تكن فيه آيات مبينة لكانت بديهته تأتيك بالخبر لو أنه كما قال فيه عمه أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل فنظروا فيما وهبه الله تعالى من السمات, ومن المعجزات, ومن الأخلاق, ومن الحكم, ومن الحكمة, ومن الصدق، فعرفوا أنه صادق وأنه لا يطلب مصلحة لنفسه، فجزموا بصحة ما جاء به، وبأن ما جاء به وما دعا إليه، فإنه حَقٌّ وصدق، فحملهم ذلك على أن حققوا الإيمان به، فكانوا بذلك من المؤمنين حقا، لما أنهم امتلأت قلوبهم بالإيمان نتيجة ذلك كثرة أعمالهم كثرة حسناتهم. |