............................................................................... فعلى هذا نقول: إن على المسلم أن يؤمن بما أخبر الله تعالى به من جنس هذه المخلوقات، أخبر الله عن جنس الملائكة أنهم رسل, وأنهم يطيرون, قال الله تعالى: { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وهكذا أخبر بأنهم أولو أجنحة, ويزيد ما يشاء. ورد في الحديث أن جبريل عليه السلام له ستمائة جناح, فدل على أنهم، ولو كانت أجسامهم خفيفة فقد أعطاهم الله تعالى أجنحة يتمكنون بها من الطيران, ومن الوصول إلى ما يشاءون بإذن الله، فعرف بذلك أنهم خلق من خلق الله تعالى. ثم قد وَكَّلَهُمُ الله تعالى بأعمال, فمنهم: الموكلون بكتابة أعمال الإنسان, يقول الله تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } هم الملائكة, { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } يدخل في هذه الآية أعمال القلب, أي: أنهم يكتبون حتى الأعمال الخفية, أعمال القلب, يطلعهم الله على ذلك, فيعلمون ما تفعلون. وهكذا قال الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } الملكان { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ } ملكان يتلقيان أعمال وأقوال الإنسان, عن اليمين مَلَكٌ يكتب الحسنات, وعن الشمال ملك يكتب السيئات, { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } أي: كل إنسان فعليه رقيب وعتيد؛ رقيب: أي ملك يكتب, وكذلك عتيد, وصفه الله بأنه رقيب, وأنه عتيد، وقيل: إنهما ملك الحسنات رقيب, والسيئات عتيد, أو كلاهما رقيب عتيد، ففي هذا دليل على أن من الملائكة من وكلوا بحفظ أعمال بني الإنسان ومراقبته، أن يكتبوا ما يعمل. ذكر في بعض الأحاديث أن ملك الحسنات أمير على ملك السيئات, بحيث إنه متى عمل سيئة لا يكتبها ملك السيئات إلا بعدما يأمره ملك الحسنات, يقول له: اصبر! لعله أن يستغفر, لعله أن يتوب، لعله أن يأتي بما يكفر هذه السيئات { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } فإذا أَصَرَّ كتبت تلك السيئة, وإذا عمل سيئة بعدها فهكذا، وفي رواية: { يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار } فيجتمعون في صلاة العصر, وفي صلاة الفجر، ينزل ملائكة النهار في صلاة الفجر, ويجتمعون مع ملائكة الليل في صلاة الفجر, فيصعد الذين باتوا فيكم, أي ملائكة الليل، ثم ينزل ملائكة الليل في صلاة العصر, فيجتمعون مع ملائكة النهار, فيصعد ملائكة النهار. هؤلاء الملائكة حفظة؛ يحفظون الإنسان مما لم يقدّر عليه, يقول الله تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } هؤلاء المعقبات هم الملائكة الذين يتعاقبون فيكم. معقبات: أي: يأتي هؤلاء عقب هؤلاء, يحفظونه بأمر الله، فيقول في بعض الروايات: لو تخلوا عن حفظه لاختطفته الشياطين, واختطفته الجن والْهَوَامُّ والسباع, ونحوها من الأعداء, ولكن الله يحفظه، وقد وكل مَنْ يحفظه بأمره. وأصل الحفظ من الله تعالى, قال الله تعالى: { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ } يكلؤكم يعني: يحرسكم ويحفظكم, بالليل والنهار "من الرحمن" أي: بأمر الرحمن. فهذا جنس من الملائكة, وكلهم الله تعالى بحفظ بني آدم إذا جاء القدر الذي كتبه الله خلوا بينه وبينه، وأما ما لم يقدر فإنهم يحفظونه منه, أما جنس الملائكة فإنهم خلقوا لعبادة ربهم, ولهذا وصفوا بقوة العبادة. يقول الله تعالى: { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } أي: وصفوا بأنهم عنده, أي: بقربه في السماوات, "ومَن عنده". وصفوا بأنهم لا يستكبرون, لا يتكبرون عن العبادة, "ولا يستحسرون", أي: لا يحسرون, ولا يتعبون, ولا يكلون, ولا يملون من العبادة. "يسبحون الليل والنهار", أي: وقتهم كله, لا يَفْتُرُون, أي: لا يتعبون. هذا جنس الملائكة, وهذه وظائفهم وأعمالهم. ورد في حديث مَرَّ بنا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم, أو راكع, أو ساجد } أي: ليس فيها فراغ ولا موضع أصابع, بل كل السماوات مشغولة بالملائكة الذين خلقوا, ما بين راكع وساجد, وقائم, وقاعد, وعابد. وصفوا بأن منهم ملائكة سجودا منذ أن خلقوا إلى أن تقوم الساعة! وهم سجود أو ركوع, وأنه إذا كان يوم القيامة يقولون: يا ربنا! سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك, إلا أننا لم نشرك بك شيئا, ما عبدناك حق عبادتك! لأنهم عرفوا عظمة الرب تعالى, وعرفوا منته على خلقه, واعترفوا بأنه أهل أن يعبد, وأهل أن يركع له ويسجد، فهكذا كان اعترافهم. وبكل حال, فإن الملائكة الذين أُمِرْنَا بأن نؤمن بهم, ونصدق بهم, خلقهم دليل على عظمة مَنْ خلقهم, يعني: أن خلق الله تعالى أنواعا, فمنه: خلق الإنسان الذي له وزن, وله جرم, وله جسم, وله ثقل، وكذلك ما على الأرض من الدواب والحيوانات والطيور وما أشبهها, وخلق الجن, والشياطين, والملائكة الذين هم جنس من غير جنس هذا الإنسان لا يُرَوْن, ولكن يتحقق وجودهم, ويؤمن بهم المؤمنون, ويصدقون بأنهم من خلق الله تعالى، خلقهم من أرواح. يعني: الأصل فيهم الروحية, أنهم أرواح, وأن أجسادهم -إن كان هناك أجساد- فإنها خفيفة نورانية يخرقها البصر، ولا شك أن هذا دليل على عظمة الخالق، وأنه على كل شيء قدير، وأن الذي يؤمن بذلك, ويعترف به, يعرف ربه، ويعرف حق ربه عليه. نواصل القراءة. |