............................................................................... ورد في صفات العرش صفات عظيمة، يعني: تدل على كبر وسعة هذا العرش الذي هو خلقه الله: ورد في حديث أو أثر في تفسير قوله تعالى: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } أن الكرسي اتسع للسماوات والأرض { ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس } أي: في مِجَنٍّ الذي يلبسه فوق الرأس, دراهم: الدراهم ماذا تشغل السبعة؟ ماذا تشغل من هذا الْمِجَنِّ؟ ثم جاء حديث آخر { أن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة } بفلاة من الأرض. الكرسي بالنسبة إلى العرش هذه نسبته, فنحن نشاهد عظمة السماوات وكذلك الأرض واتساعها, وأن هناك سبع أرضين, وكذلك السماوات وعظمتها, وأنهن سبع شداد. ومع ذلك هذه السماوات، وهذه المخلوقات وهذه الأرض كلها اتسع لها هذا الكرسي. ومع ذلك هذا الكرسي قصير أو صغير بالنسبة إلى العرش، وإذا كانت هذه عظمة العرش فكيف بعظمة خالق العرش؟! لا شك أن الله أعظم من كل شيء؛ ولذلك يصف نفسه بالعظمة: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } يعني: الذي لا يدرك عظمته مخلوق، فهو رب العرش العظيم, وهو العظيم. وقد اتفق المسلمون أن العرش مخلوق؛ لأن كل شيء فإنه مخلوق, والله تعالى هو الخالق، وقد اختلف: هل العرش خلق قبل القلم, أو القلم قبل العرش؟ ورد في حديث : { أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. جرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة } . مقتضى هذا الحديث: أن القلم قبل كل شيء { أول ما خلق الله القلم } ولكن الصحيح: أن أوليته مستثنى منها العرش, أي: بالنسبة إلى ما سوى العرش، فالأصل: أن العرش مخلوق قبل القلم وقبل سائر المخلوقات، في النونية لابن الْقَيِّم يقول: والناس مخـتلفون فـي القلم الذي كتب القضاء بـه مـن الرحمنِ هل كـان قبل العـرش أم هو بعده قـولان عنـد أبي العلا الهمداني والحــق أن العرش قَبْـلُ لأنـه وقت الكتـابـة كــان ذا أركان لأنه في بعض الروايات أنه قال: { لما خلق الله القلم, وكان عرشه على الماء } فدل على أن العرش مخلوق قبل القلم وقبل غيره من المخلوقات، وأما حملة العرش فإنهم أيضا خلق من خلق الله. وقد ورد في شعر أمية بن أبي الصلت الاعتراف بحملة العرش, وأنهم أربعة في قوله: رجل وحـور تحت رجـل جـناحـه والنسـر للأخـرى, ولَيْثٌ مُرْصَـدُ يعني ورد في بعض الروايات أن أحدهم على صفة الإنسان, والآخر على صفة ثور, والآخر على صفة نسر, والآخر على صفة ليث, يعني: أسد. ولكن الله أعلم بصفاتهم. ورد في وصفهم ما يدل على عظمة خلقهم، وأن منهم إسرافيل الذي وُكِّلَ بالنفخ في الصور, والذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: { كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن, وحنى جبهته, ينتظر متى يؤمر } أي: إسرافيل الذي وُكِّل بالنفخ في الصور، وذكر أنه من جملة حملة العرش. وأن البقية خلقوا على خلقة عظيمة, ما يقدر قدرها إلا الله. ثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: { أذن لي أن أحدث عن مَلَكٍ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة } ملك من الملائكة, قيل: إنه من حملة العرش. العاتق هو: المنكب. أي: مقدار هذا من الإنسان؛ يعني مقدار رقبة الإنسان من ذلك الملك هذه المسيرة, أو هذه المسافة العظيمة. وهكذا ما ورد أيضا في صفة إسرافيل من عظم خلقه ما ورد في بعض الروايات- وإن كان فيها مقال: أن مناكبهم فوق السماء السابعة, وأقدامهم تحت الأرض السفلى, أو تحت الأرض السابعة، ولا يعلم المسافة التي بين الأرضين. ونحن إنما نشاهد أرضا واحدة, ولا ندري أين بقية الأرض التي أخبر بأنها سبع. وكذلك أيضا السماوات، ورد أن ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة سنة. هذه المسافة متى تقطع؟ متى تقطع هذه المسافة الطويلة؟ يعني: مسافة عشر سنين, مسافة طويلة، فكيف بمائة سنة؟ وكيف بألف أو بخمسمائة؟ لا شك أن هذا دليل على عظمة هذه المخلوقات. ومعرفتنا بعظمتها مفاده الاعتراف بعظمة الخالق. إذا كانت هذه عظمة هذه المخلوقات، فكيف بعظمة مَنْ خلقها، الذي هو رب العالمين، وخالق الخلق وربهم؟! فلا يحيط بوصفه, ولا يعلم قدر عظمته إلا هو سبحانه وتعالى. وفائدة المسلم من معرفة هذه المخلوقات ومعرفة ما خلقت عليه: أن يُعَظِّمَ الخالق، أن يعترف بعظمته وجلاله وكبريائه، وأن يتصاغر أمام عظمة الله, ولا يتكبر, ولا يعظم نفسه تعظيما يتكبر به على الرب سبحانه، وأن يعرف حق الرب عليه. إذا كانت هذه عظمة مخلوقاته, فكيف بعظمة الخالق؟ وإذا كانت هذه المخلوقات وهذا قدرها, فكيف مقدارك أيها الإنسان؟ ماذا تملك؟ وماذا تقدر عليه؟ وماذا تتصرف فيه؟ الواجب عليك أن تتورع, وألا ترفع بنفسك, ولا تشمخ بأنفك, ولا تتعزز على خالقك وربك، ولا على عباد الله. فهذه هي فائدة معرفة المسلم بعظمة هذه المخلوقات حتى يتواضع لمن خلقها. نستمع إلى كلام المؤلف. |