............................................................................... كذلك أيضا إذا تأمل ما بثه الله وخَلَقَهُ على وجه الأرض من هذه الدواب المختلفة, لا شك أن خلقها حيث بث في الأرض من كل دابة, وجعل فيها من كل زوجين اثنين. جعل كل نوع زوجين, أي: ذكورا وإناثا حتى يتم بذلك التوالد فيما بينهم، وجعل ذلك في كل الدواب؛ في الطيور زوجين اثنين، وفى الحشرات زوجين وفي البهائم زوجين والحيوانات زوجين ذكر وأنثى. كل ذلك بلا شك مما نصبه الله للدلالة على قدرته. أنه سبحانه على كل شيء قدير. يعتبر بذلك من تفكر ومن نظر في آيات الله تعالى وفي مخلوقاته العظيمة. ومع ذلك فإن الكثير لا ينتفعون بما ينظرون، بل ينظرون في هذه الآيات وعجائب هذه المخلوقات، ومع ذلك كأنهم البهائم التي لا تعقل ولا تتفكر { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } . أما أهل البصيرة وأهل المعرفة وأهل الإيمان الصحيح؛ فإنهم كلما وقع نظر أحدهم على صغير أو كبير اعتبر بذلك وجعل ذلك آية ودلالة على عظمة من خلق ذلك؛ ولذلك ذكر ابن كثير قول ابن المعتز عند آية البقرة: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } . قول ابن المعتز فوا عجبـا كيـف يعصـى الإلـه أم كــيف يجـحــده الجـاحـد فــي كــل شـيء لـه آيــة تـــدل عـلــى أنــه واحـد وللــه فــي كــل تحـريكـة وتســكينـة أبــدا شــاهـد يعني: أن من تأمل كل ما في هذا الكون وجد أن كل حبة صغيرة أو كبيرة فإنها شاهد على قدرة من خلق ذلك ومن أوجده. وأعظم شيء يتأمل فيه الإنسان هذا الوجود يتأمل فيه ويعرف عظمته؛ بل أقرب شيء إلى الإنسان نفسه؛ أي خلْق الإنسان هو أعجب شيء وأقرب شيء إليه، ولكن الذين يتفكرون ويعتبرون قليل. وقد تكلم العلماء على عجائب خلق الله تعالى وأبرزوا ما فيها من الدلالات. فمثلا ابن القيم -رحمه الله- له كتاب اسمه "التبيان في أقسام القرآن"، يعني الأيمان التي في القرآن. لما تكلم على سورة الذاريات أقسم الله في أولها، بقوله: { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } إلى قوله: { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } فأقسم في أولها ببعض المخلوقات, ثم أقسم بعد ذلك بالرب { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } تكلم -رحمه الله- على بعض الآيات على قوله تعالى : { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ } ما في الأرض من الآيات والدلالات، ثم تكلم أيضا على خلق الإنسان؛ أي لما قال تعالى: { وَفِي أَنْفُسِكُمْ } أي وفي أنفسكم دلالات وعظات وعبر لمن اعتبر فيها، وبيّن ما في خلق الإنسان من العجائب. فبتأمل هذه الآيات في خلق الإنسان يجد العجب العجاب, ويعرف ما في خلق الله تعالى من الآيات والدلالات على كمال قدرته، وأن الذين عبدوا غيره, أو عصوه, أو جحدوه أنهم ما فكروا في هذا الوجود, ولا أعملوا عقولهم, ولا تفكروا في آيات الله, ولا نظروا في ما أمروا بأن ينظروا إليه؛ فلذلك تلاعب بهم الشيطان, وصدهم عن الآيات وعن الدلالات التي تدل كل عاقل، ولكن الله كما ذكر { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } . نواصل القراءة. |