............................................................................... وما ذكر أيضا من الأنهار الجارية التي فيها؛ كقوله تعالى: { فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } يعني: لا يتغير ولو طالت مدة بقائه, بخلاف ماء الدنيا، فإنه إذا بقي أياما في القدح يأسن، يعني: يظهر له لون متغير, ورائحة متغيرة، فماء الجنة مع كونه عذبا يكون غير آسن. هذا .. معلوم أن الأنهار التي تجري لا تتغير، ولكن إذا أخذ من تلك الأنهار في الأقداح وبقي أياما، فإنه لا يأسن ولا يتغير؛ كذلك: { وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } يبقى على طعمه اللذيذ، ولو بقي مدة ممن شاء الله تعالى، لا يلزم أن يكون من ضروع الحيوانات بل مما يجريه الله تعالى، ومما ييسره: { وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } ليست كخمر الدنيا: { لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } يقول تعالى: { وَكَأْسًا دِهَاقًا لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا } أي: شرابا يشربونه في كئوس، ولا يحصل فيه ما يحصل في الدنيا من اللغو، ومن الكذب، ومن الغول الذي هو تغير العقل، وما أشبه ذلك. وكذلك: { وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } أي: أنه في غاية الشراب، مصفى, أي: صافٍ ليس فيه ما يشوبه ولا ما يكدره. جميع الأشربة التي يمكن أن تشرب وتتصور توجد في الآخرة؛ وإن كانت موجودة في الدنيا. |