............................................................................... وبكل حال نعرف أن جميع النجوم مسخرة، من جملتها: سهيل نجم مسخر، وكذلك الزهرة، وكذلك بقية النجوم كلها من النجوم التي سخرها الله تعالى، وجعلها منازل وجعلها حسبانا، وأخبر بأنها تسير في أفلاكها كل نجم في فلك، يدور في فلكه. الفلك هو مفلك مستدير، وهذا النجم مركب فيه فهو يدور في فلكه: { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . { ...............سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا } هذه آيات، الله تعالى احتج بأنه الذي خلق الحب والنوى، الحب هو البر، الله هو الذي خلق هذه الحبة، وجعل في وسطها هذا الفلق، وجعلها إذا دفنت في الأرض وسقيت أنبتت مثلها حبا كثيرا، لا يستطيع أحد أن يخلق مثلها في طعمها وفي طبيعتها، وفي أنها تبذر وتنبت، وهكذا النوى الذي هو نوى التمر، هذه الحبة التي في وسط التمرة في وسطها هذا الفلق. إذا دفنت ثم سقيت نبتت إلى أن تكون نخلة باسقة طويلة تحمل بما تحمل به سائر النخيل، وتثمر هذا التمر الذي هو غذاء أنبته الله تعالى وأخرجه، وجعل إخراجه آية من آيات قدرته أخبر بأنه: { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ } وهذه من آيات الله سبحانه وتعالى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } كيف تُصرفون عن عبادته؟ { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } . ثم قال: { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ } أي: فلق هذا الصبح بينما الناس في ظلمة؛ إذ انفلق المشرق فبدت الشمس وظهر هذا الصبح الذي هو ضياء يضيء على الأرض، آية من آيات الله { وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا } جعل من آياته ظلمة الليل ليسكنوا وليطمئنوا فيه وليريحوا أنفسهم بعد التعب الذي يتعبونه، والتقلب الذي يتقلبونه طوال نهارهم فجعل الليل سكنا، وجعل الشمس والقمر حسبانا بمعنى أنهم يعرفون بها. أولا: أن في الشمس ضياء وفي القمر نورا يستضيئون به في ظلمة الليل. وثانيا: أنه حسبان يعرفون به حسابهم حساب الشمس، أو الشمس يعرف بها اليوم والأسبوع، وأما القمر فيعرف به الشهر والسنة والسنوات، هذا معنى قوله: { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } يعني: أن ذلك هو تقدير الله العزيز العليم، ثم قال: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي: من آياته خلق هذه النجوم وتسييرها، وقد مر بنا أن الله تعالى خلقها لثلاث: زينة للسماء، وعلامات يهتدى بها، ورجوما للشياطين، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. ومع ذلك فإن فيها عبرة وعظة، وفيها أيضا منافع، ففي طلوعها وغروبها آية؛ وذلك لأن سيرها أسرع من سير الشمس فإنك تشاهد نجم الثريا مثلا في الصيف يطلع مع الشمس، ثم لا يزال يسبقها شيئا فشيئا؛ كل يوم يسبقها بمرحلة إلى أن يأتي زمن الشتاء، إذا طلعت الشمس وإذا الثريا قد غربت، وفي فصل الخريف إذا طلعت الشمس وإذا الثريا في وسط السماء بمعنى أنها سيرها أسرع من سير الشمس، وهكذا بقية النجوم التي هي المنازل سيرها أسرع من سير الشمس. وجعل الله تعالى سير القمر أبطأ من سير الشمس، فالقمر يتأخر عن الشمس في كل يوم مرحلة إلى أن تدركه في آخر الشهر عند تمام ثلاثين يوما أو تسعين يوما، يبتدئ في نهاية قصره ونهاية صغره والتصاقه وقربه من الشمس، ففيها آيات وعبر لمن اعتبر بها حيث تشاهد هذه النجوم سواء نجوم المنازل التي ينزل القمر كل يوم في واحدة يعني: القمر ينزل في كل ليلة من الشهر في منزلة؛ فمثلا يطلع مع الثريا، وفي اليوم الثاني يطلع مع الدبران، وفي اليوم الثالث يطلع مع الهقعة، وفي اليوم الرابع يطلع مع الهنعة، وفي اليوم الخامس يطلع مع الطرف أو مع الزبرة، وهكذا إلى أن ينتهي الشهر. كل ليلة يطلع مع نجم من هذه النجوم مع أنها متفاوتة يعني: بعضها في الجهة الشمالية وبعضها في الجهة الجنوبية، فالطرف الذي هو نجم سهيل في جهة اليمن والثريا في جهة أو تقرب من جهة الشام ومع ذلك القمر يحاذي كل ليلة يحاذي واحدا من هذه المنازل، وهكذا منازل القمر في الشتاء التي هي الإكليل يوما والقلب ثم الشولة، وهكذا، وكذلك بقية النجوم التي لا تعد من المنازل. لا شك أن سيرها سيرا منتظما سيرا معتدلا لا تتقدم ولا تتأخر. يعرف بها دخول الشتاء ودخول الصيف ودخول الخريف والربيع. يعرف بطلوعها بحيث أنها تكون دائمة على ذلك. هذا بلا شك دليل على عظمة الذي خلقها، والذي سيرها وقدرها وجعلها محكمة السير لا تتقدم ولا تتأخر عن سيرها. لا شك أن هذا من آيات الله عز وجل. |