............................................................................... ثم جاء في هذه الأزمنة من خاض في آيات الله بغير علم، وتخيلوا فيها تخيلات لا حقيقة لها، وادعوا أنهم عرفوا مقدارها؛ عرفوا مقدار هذه النجوم وأن منها ما هو أكبر من الأرض مرات عديدة. ادعوا مثلا أن النجوم الخنس التي ذكرها الله في قوله: { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } التي هي الزهرة والمريخ وعطارد وزحل والمشتري نجوم تظهر في آخر الليل نيرة، فيدعي بعضهم أن المريخ أكبر من الأرض مرارا عديدة، أنه مثل الأرض مائة مرة أو ألفا أو ألفين فنقول: من الذي أطلعكم؟ أنتم مخلوقون في الأرض فكيف وصلتم إلى هذه الأفلاك؟ وكيف قستموها وعرفتم مقدار هذا المريخ أو مقدار هذه الزهرة أو عطارد أو المشتري أو زحل أو الشمس أو القمر؟ الله تعالى أخبر بأنهم مخلوقون أخبر تعالى بأنه خلق الإنسان في هذه الأرض وأن نهايته إليها قال الله تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } وقال تعالى: { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } وإذا كانوا مخلوقين من الأرض وفيها يموتون ويعودون، فكيف يصلون إلى الملأ الأعلى؟ وكيف يعلمون الأفلاك العلوية؟ وكيف يقدرون المساحة التي لم يرد تقديرها؟ وكيف وصلوا إلى قياس هذه الأفلاك وعرفوا حجمها؟ لا شك أن هذا كله تدخل في العلم الذي لا يعلمه إلا الله. الله تعالى هو الذي يعلم الغيب ويعلم هذه المخلوقات، والذي قدرها وقدر سيرها، وجعلها آية حيث أن الناس ينظرون إليها جعلها زينة للسماء { وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا } أخبر بأنه جعلها زينة للسماء. وأما أن البشر يُقدرون مقدارها ويذكرون مساحتها وكبرها؛ فهذا لا يعتمد وليس هناك دليل شرعي يرجع إليه في تقديرها، فإذا عرفنا ذلك فإنما نقول: إنها آيات من آيات الله التي نصبها لعباده ليعتبروا بها، وفيها منافع: يعرفون بها الحساب ويعرفون بها أوقاتهم، ويعرفون بها حساب الشتاء والصيف وأوقات البذورات وأوقات الحصاد وما أشبه ذلك فيعرفونها بهذه النجوم، ويعرفونها أيضا بهذه البروج التي أخبر بأنها في السماء في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } وفي قوله تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا } . الب روج: هي منازل الشمس أي أن الشمس تنزل في كل برج شهرا أي: شهرا شمسيا، وإذا جمعت تلك الأيام واستدارت بحيث مرت الفصول الأربعة: وهى الشتاء والصيف والربيع والخريف، وإذا السنة قد كملت السنة الشمسية، وذكرت أسماء البروج فيما أُثر البروج الاثنا عشر، ذكرت في بعض الروايات أنها اثنا عشر نظمها بعضهم بقوله: حـمل الثــور جـوزة السرطان ورعـى الليث سـنبلـة الميزان ورمــت عقرب بالقوس جديـا وارتـوى الدلو من بركة الحيتان فهذه منازل الشمس. وأما منازل القمر التي ذكرها الله في قوله: { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } فهي منازله التي هي النجوم التي هي ثمانية وعشرون منزلة، يختفي إذا كان الشهر كاملا ليلتين، وإن كان ناقصا ليلة، فهذه هي المنازل وهي منازل الشمس والقمر. من العلماء من كره تعلمها مخافة أن يكون التعلم وسيلة أو سببا في اعتقاد أنها مؤثرة أن تلك النجوم تؤثر في الكون، وأنها هي التي تحدث هذه الأشياء؛ ولكن رخص فيها كثير من العلماء لفائدة معرفة الشتاء ووقته والصيف ووقته وما أشبه ذلك. وبالجملة فإن الأدلة التي ذكرت فيها هذه النجوم، وذكر فيها مطالعها ومغاربها أن فيها آية وعبرة لمن اعتبر وتذكر، وأما الذين لا ينتبهون ولا يتذكرون فإنهم مثل ما ذكرهم الله أنهم { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } أي: لا يتعقلون، ولا يتدبرون ولا يتفكرون في هذه المخلوقات، ولا يأخذون منها آية وعبرة تدلهم على عظمة من خلقها، وأن الذي خلقها هو المستحق للعبادة. والآن نواصل القراءة. |