............................................................................... وأما ما سمعنا من عدد المخلوقات التي خلقها الله والأمم التي نوعها فذكر في هذه الآثار أن الله خلق ألف عالم ألف أمة الإنس أمة والجن أمة والشياطين أمة والملائكة أمة هؤلاء مكلفون والبقية غير مكلفين، نقول مثلا: إن الإبل أمة والبقر أمة والضأن أمة والمعز أمة والخيل أمة والحمر أمة والظباء أمة والوعول أمة، وكذلك الذئاب والأسود والضباع والفهود وما أشبهها، وكذلك أيضا الصيود الأخرى كالأرنب واليربوع والفأر والجرذ والوبر وما أشبهها. كذلك أيضا الطيور النسور أمة والعقاب أمة والغراب أمة والصقر أمة والبازي أمة وأشباه ذلك، وكذلك الطيور الصغيرة والحشرات ونحوها البعوض أمة والذباب أمة والنحل أمة وأشباه ذلك، وهكذا أيضا دواب البحر يعني أن هذه الدواب والطيور التي في البر ذكروا أنها أربعمائة، أربعمائة أمة من الطيور ومن الحشرات التي تمشي على الأرض، وإذا ألقيت في الماء ماتت أربعمائة أمة وأما دواب البحر فذكر كما سمعتم أنها ستمائة أمة منها ما هو كبير ومنها ما هو صغير. قد مر بنا أن من الدواب الدابة التي التقمت نبي الله يونس حوت كبير التقمه وبقي في بطنه ومع ذلك بقي لم ينكسر منه عظم ولم ينجرح منه جلد مما يدل على عظمته. وكذلك الحوت الكبير الذي مر بنا والذي ألقاه البحر يقال له: العنبر كأنه جبل أو كأنه كثيب رمل بقي عليه الصحابة يأكلون منه شهرا وهم ثلاثمائة قد أصابهم ومسهم الجوع كثيرا ولم ينقصوه إلا شيئا يسيرا وتزودوا منه، لا شك أن هذا دليل على عظمة هذه المخلوقات وعلى عظمة ما هي ما بها من خلق الله سبحانه وتعالى، وهكذا أيضا كثرتها لا يحصيها إلا الله صغارا وكبارا منها ما قد يخرج ويعيش في البر يشاهد أن الضفادع تخرج إلى شاطئ البحر ثم بعد ذلك تنغمس في الماء ولا تموت لا في البر ولا في البحر، من آيات الله الدواب الأخرى كالسمك ونحوها إذا أخرجت من الماء ماتت قواما لأن نفسها بذلك الماء؛ يعني هو الذي يكون لها بمنزلة النفس الذي للحيوانات البرية الإنسان والبقر والغنم ونحوها، هذه تتنفس من هذا الهواء الذي هو على فوق الأرض. وأما تلك الدواب البحرية فإنها تتنفس بالماء يدخل الماء في أجوافها فيكون كغذاء لها فهذه من عجائب خلق الله من آيات الله أن جعل هذه تعيش في البر وتموت في البحر وهذه تعيش في البحر وتموت في البر، ويسر لكلٍّ رزقه هذه الدواب التي في البحر لا بد لها من غذاء, ما غذاؤها؟ ليس غذاؤها هو مجرد الماء فقد يكون الماء غير كاف، ويمكن أن كثيرا منها غذاؤها هو الماء لا تتغذى على غيره تعيش عليه، ولكن معروف أن البحر يموت فيه دواب كثيرة وأين تذهب تلك الدواب التي تموت فيه مع كثرتها ومع توالدها. معلوم أنها يأكلها الأخر أي دواب البحر يأكل بعضها بعضا جعل الله هذا البحر ملحا شديد الملوحة حتى لا ينتن ولا يكون خائسا بكثرة ما يموت فيه من الدواب وهذا من حِكم الله تعالى حتى لو مات فيه شيء من دواب البر ما أنتن ولا تغير فيها، إذا ألقي فيه مثلا جمل ومات الجمل ثم أخرج لا يوجد له الرائحة التي تكون فيه إذا مات في خارج البحر. وكذلك مشاهد أن الناس إذا كان معهم لحم قبل وجود الثلاجات جعلوا عليه هذا الملح حتى يحفظه ويحفظه عن أن يتغير ريحه؛ لأن الملوحة التي كملوحة البحر تحفظ اللحوم ونحوها عن التغير وعن التعفن. وبكل حال.. فإن آيات الله -عز وجل- عظيمة نصبها لعباده وأمرهم أن يعتبروا ويتفكروا أنه سبحانه جعل لها رزقا وسخر لها رزقا قال الله تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } . { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فكل ذلك دليل على أن هذه الجمادات ونحوها جعل الله تعالى فيها إحساسا وجعل فيها حياة تناسبها وإن كانت في الظاهر لا حركة فيها. وكذلك القسم الثاني النبات لا شك أن فيه حياة فإن الناس يقولون هذه شجرة حية، وهذه شجرة ميتة فالحية هي التي تتنامى وتزيد وتثمر وتورق ويسري فيها الماء فتكون فيها هذه الحياة ولكن حياتها ناقصة ليست اختيارية؛ ولأجل ذلك لا تتألم بالجوع ولا بالظمأ ولا تتألم بالضرب يعني يأتي إليها من يقطعها بفأس أو بمنجل ولا تتألم ولا تشتكي، ولكن جعل الله تعالى فيها حياة تناسبها وأخبر بأن الأرض المعشبة تكون حية كما في قوله تعالى: { كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } انظر { كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فموتها كونها يابسة وحياتها كونها تهتز خضراء فيها أنواع هذه النباتات. ولا شك أن وجود هذه النباتات آية من آيات الله تعالى، فإنك تشاهد الأرض يابسة قاحلة ليس فيها أية نبات ولا أية خضرة ينزل عليها الماء من السماء فتتشرب ذلك الماء فإذا تشربته أخرجت أنواعا من النبات يقول تعالى: { كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ } يعني ماء المطر فتصبح الأرض مخضرة يعني بعد أيام تخضر ويكون فيها هذا النبات، وتشاهد أيضا أنه مختلف الأنواع مختلف الزهور والطعوم والألوان والروائح والأشكال والأغراب والزهور والثمار؛ منه ما هو شجر كبير يرتفع على الأرض عدة أمتار، ومنه ما هو شجر قصير، ومنه ما ليس بشجر ولكنه يمتد وينبسط على الأرض، ومنه ما هو نبات صغير لا يكون له أطراف تمتد منه ما هو غذاء للإنسان، ومنه ما هو غذاء للطيور، ومنه ما هو غذاء للبهائم وما أشبه ذلك، وليس منه شيء عبث بل كله لا بد أن يكون لله تعالى فيه حكمة. فذلك بلا شك آية من آيات الله تعالى حيث جعله علامة واضحة على إحيائه الأرض بعد موتها كما في قول الله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أخبر تعالى بأنه هكذا يخرج الموتى إذا كان يحيي هذه الأرض بعد موتها فإنه سبحانه قادر على أن يعيد الموتى بعد موتهم أحياء، فجعل إحياء الأرض من الدلالات على إعادة الموتى وإحيائهم بعد أن يكونوا ترابا وعظاما، فكذلك أيضا هذا النبات بعد أن كان عدما يخلقه الله ويحييه { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } . مشاهد أن لكل بلدة ما يناسبها من النباتات فينبت النخل في بلاد ولا ينبت في الأخرى، وكذلك أيضا العنب ينبت في بقع دون بقع، الزيتون ينبت في أرض دون أرض، وكذلك أنواع الفواكه وأنواع الخضروات وكذلك أنواع الأعلاف وما أشبهها يناسب هذا في بلد ولا يناسب في آخر، لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وأنه قدر مقادير الخلائق وأنه قدر أرزاقهم وقدر آجالهم وأعطاهم ما يتمكنون به من البقاء والحياة في هذه الدنيا. وأما القسم الثالث الذي هو الحي الذي فيه حياة وحركة اختيارية، فهو كل دابة تدب على الأرض يتكفل الله تعالى برزقها يقول الله تعالى: { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } أخبر تعالى بأن هذه الدواب التي تدب على الأرض أنها من الحيوانات التي تكفل الله تعالى برزقها ويقول تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } ويقول تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } فهذه الحيوانات المتحركة هي خلق الله خلقها وأوجدها كما شاء ثم جعلها من طبعها تتوالد وتتناسل، وكل دابة تعرف شكلها وتألف جنسها ولا تشتبه واحدة بالأخرى بل كلها كما خلقها الله تعالى فالطيور أشكال وأجناس منها الكبير والصغير؛ فالكبير منها الذي هو مثلا كالفيل والزرافة والنعامة والإبل وما أشبهها قدر الله تعالى أنها تتوالد وتتناسل ولا تشتبه بغيرها، فلا يمكن أن يلد البعير ثورا أو حمارا أو فرسا، بل الإبل تلد أمثالها لا تلد الناقة إلا ما يماثلها. وكذلك البقر, البقر أجناس البقر والجواميس, الإبل أجناس العراب والبخاتي البختي هو الذي له سنامان وكل منها جنس فالبختي يلد مثله والعراب تلد مثلها، وكذلك مثلا الضأن والماعز لا يمكن أن ينزو التيس على النعجة ولا أن تلد النعجة تيسا أو عنزا، جعل الله تعالى كلا يميل إلى شكله وإلى جنسه هذا معنى قوله تعالى: { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } يقول بعض العلماء: هداها لما تكون به لما يكون به وجودها ولما تكون به حياتها فعرفها بالأغذية التي تناسبها من الأعلاف وما أشبهها، وكذلك أيضا يهدي الذكور لكيفية إلقاح الإناث إذا دخلت الإناث من الضأن على الكباش فإن الكبش يعرف الكبش من النعجة، ولهذا لا ينزو على كبش مثله لا ينزو على ذكر مع أنها في الظاهر مستوية، أنت مثلا لو رأيت كبشا ونعجة في الخلقة على حد سواء فرأيتها في الظاهر هل تميز وتقول هذا ذكر وهذا أنثى لا تميز ذلك إلا بعد ما تلمسها أو تسأل عنها، ولكن الذكر يميز ذكورها من إناثها يعرف ذلك إما بالرائحة وإما بالشكل واللون وما أشبه ذلك. لا شك أن هذا من آيات الله تعالى هذا معنى قوله: { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } كذلك أيضا قدر الله لها أرزاقها وأقواتها هذا معنى قوله: { إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } وهكذا أيضا بقية الحيوانات، معروف مثلا أن هذه الطيور الصغيرة أشكال وأنواع فالعصافير شكل ظاهر وهنا شكل يماثلها طائر يقال له: الحمرة وكذلك أشكال أخرى تقاربها، فنقول هل ذكور الحمر مثلا تلقح ذكور العصافير تلقح الإناث؟ لا تلقحها وإنما تختص بإناثها التي تناسبها، تقدير من الله تعالى حتى تتواجد تتواجد كما هي، وكثيرا ما يختلط الإوز والدجاج والبط وما أشبهه ومع ذلك كل يميل إلى شكله وكل يختص بإناثه ذكوره تختص بالإناث التي هي من جنسها لا شك أن هذا تصديق بهذا القول { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } ألهمها سبحانه هذا بفطرتها، ولم يكن هناك من يعلمها ليست مثل الإنسان الذي يعلم بعضه بعضا إنما تعليمها بالفطرة فطرها الله تعالى حتى عرفت ما يناسبها من النباتات ومن الحبوب وما أشبهها. وكذلك أيضا كل الحيوانات الصغيرة والكبيرة حتى مثلا النمل والذر والبعوض، وما يشبهه من هذه الطيور الصغيرة والذباب ونحوه هذه كلها بعضها يميل إلى بعض ولا يميل إلى جنس آخر، بل كل يميل إلى شكله وتعرف ذكورها من إناثها، نشاهد مثلا الجراد ذكورا وإناثا، ثم إن الله تعالى جعل الذكور بقدر الإناث إذا نظرنا لا نجد ذكرا إلا ويوجد له أنثى إذا أراد الله أنها تتوالد فإنه ينزو أو يركب كل ذكر على أنثى، ولا نجد ذكرا منعزلا لم يجد أنثى ولا أنثى لم تجد ذكرا حتى يحصل هذا التوالد تلقح ذكورها إناثها ثم بعد ذلك ألهمها كيف تتوالد؛ ألهم هذا الجراد أن تغرس ذنبها في الأرض، وأن تلقي هذا الحب الصغير الذي في ذنبها في كيس من شبه شيء رقيق تختمه وتدهنه ويبقى في الأرض وتغفل عنه إلى أن يشب ويكبر ثم يخرج نفسه ويدب على الأرض وهو ما يسمى بالدباء، ثم بعد ذلك يكبر وتنبت له الأجنحة هذا إلهام من الله تعالى، عندنا مثلا الضب المعروف يبيض بيضا ثم ألهمه الله أن الأنثى تحفر لبيضها ثم تدفنه بتراب يناسبه وإذا جاء الوقت الذي قد فقس فيه وخرج ضبابا ألهمها أن تحفر مكانه إلى أن تصل إلى ذلك البيض، وإذا هو قد خرج من بيضه ضبابا صغيرة وليس لها عهد بعد ذلك بل إذا أخرجته فإنه يدب على الأرض وينتشر ويطعم يأكل من النباتات ويحتفر لنفسه ويغني نفسه. في حديث ذكره بعض أهل السنن كما في جامع الأصول: أن رجلا جاء إلى حمرة وأخذ فراخها فراخ صغيرة ولما أخذها جعلها في عمامته فرأته الأم وأخذت تتبعه تتبعه جاء بتلك الفراخ إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- عرف النبي-صلى الله عليه وسلم- أن هذا الطير قد فجع في فراخه فقال: { من فجع هذه الحمرة في فراخها فقال الرجل: أنا فلما نشر تلك الفراخ وإذا هي صغيرة جعلت الأم تدور حولها ووقعت عليها من رحمتها بها فلما رأى هذه الرحمة عند ذلك أمره بأن يرد فراخها من حيث أخذها } هذه الطيور ترحم صغارها ما دامت محتاجة إليها ما دامت هذه الصغار لم تنبت لم ينبت ريشها ولا أجنحتها ولا تستطيع أن تطير، فإذا طارت واستطاعت أن تغني نفسها وأن تحصل قوتها نسيتها أمها واشتغلت بغيرها رحمة من الله تعالى لها ما دامت صغيرة. وكذلك أيضا يشاهد هذا في الحيوانات مثلا الغنم ترضع أطفالها ما دامت صغارا وتحنو عليها، وكذلك البقر والحمر والإبل ونحوها فإذا استغنت تلك الرجال والأطفال فإنها لا تسأل عنها بعد ذلك، بل الأصل أنها تكتفي بنفسها وتهتم بأولادها الآخرين، وهكذا هذه الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب هذه الحيوانات تدل على أنه سبحانه ما أضاع شيئا من خلقه وأنه خلق هذا الخلق وجعل لهم هذا الرزق الذي قدره وضمنه وألهم كل نوع من الحيوانات الحية ما يقوم بحياته وما يقيم أوده. كل ذلك آية وعبرة عظيمة دالة على عظمة من أوجد ذلك وخلقه، فهكذا قد ذكر العلماء أن هذه المخلوقات لا يحصي عددها إلا الله، فمنها مثلا الطيور تعتبر قسما من الأقسام صغيرها وكبيرها، صغيرها كالبعوض، وكبيرها كالنسور أو ما أشبهها من الطيور الكبيرة التي تستقل وتطير، وهي أشكال وأنواع وكل قد عرف رزقه وعرف قوته وأعطاه الله تعالى ما يقتات به بحيث إنك لا تشاهده يموت جوعا لا تشاهد ذرة ماتت من الجهد والجوع ييسر الله تعالى لها الرزق الذي تحيا به، ولا تشاهد أيضا بعوضة ماتت من الجهد ولا تشاهد غرابا أو نسرا أو عقابا مات من الجهد، جعل الله تعالى رزقها بقدر قوتها وجعل لها المعرفة لما يقوتها، فهي مثلا تشم رائحة الميتة التي تناسبها من عشرات الكيلوات، وإذا شمتها جاءت إليها، كذلك أيضا البصر معها قوة بصر تشاهد مثلا عين الذباب وعين الذر وعين العصافير مع صغرها تخرق ما لا تخرقه عين الإنسان تبصر الأشياء الصغيرة من مسافة بعيدة، وهكذا أيضا تعرف قوتها وما يناسبها، وكذلك أيضا الحيوانات البرية الوحوش ونحوها الظباء والوعول وحمر الوحش وبقر الوحش والإيل والتيتل والأروى، وأنواع هذه الصيود جعل الله لها في معرفتها أن الإنسان يصطادها ويقتنصها أعطاها الله تعالى قوة السير وقوة السعي بحيث إنها تسعى كثيرا يعجز الإنسان أن يدركها. وكذلك أيضا جميع الحيوانات ألهمها الله تعالى كيف تعيش تكلم العلماء على ذلك وأطالوا وبينوا أن هذه من آيات الله تعالى فهناك كتاب للدميري (حياة الحيوان) يتكلم فيه على الحيوانات وأسمائها حتى استقصى كل شيء مما فيه حياة مستقرة، وكذلك قبله للجاحظ كتاب (الحيوان) أيضا يتكلم فيه على أسمائها وعلى أشكالها وأجناسها وأنواعها، وهناك أيضا كتاب اسمه (عجائب المخلوقات) للقزويني يتكلم فيه على المخلوقات على النباتات وعلى الطيور وعلى الحيوانات البرية وما أشبهها، وتكلم فيه أيضا على الإنسان وبين ما فيه من عجيب صنع الله تعالى فكل هذه آيات دالة على أن لها خالقا وأنها لم توجد نفسها. ومع هذه الآيات وهذه العجائب فإن هناك طائفة وهم الفلاسفة ينكرون بدء الخلق وينكرون نهايته ويدَّعون أن هذه طبائع وأن ليس هناك من أوجدها وإنما وجدت بالطبيعة وينسون ما فيها من الآيات والعجائب؛ ولأجل ذلك أورد ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } فذكر أن في هذه أدلة على وجود الخالق وعلى كمال قدرته، وذكر عن الأئمة آثارا تدل على اعتبارهم بما في هذا الوجود وما في هذا الكون من الآيات وعجائب المخلوقات الدالة على صنع الله تعالى كما في قوله: { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } يعني هذا صنع الله، وكما في قوله تعالى: { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } فهذا النوع الذي هو توحيد الربوبية يقر به كل عاقل وإنما يجحده المعاندون ولذلك يقول ابن المعتز فواعجبـا كيف يعصـى الإلـه أم كـيف يـجحـده الجـاحـد وفـي كـل شـيء لـه آيـة تــدل علــى أنــه واحـد وللــه فـي كـل تحريـكـة وتســكينـة أبــدا شـاهـد يعني أن من تأمل هذه الحركات وتأمل هذه الموجودات وجدها آيات ودلالات على قدرة من أوجدها وأنشأها، وأن الطبائعيين والدهريين والشيوعيين والمعطلين أنهم خالفوا العقول وخالفوا المنقول وأنهم عاندوا عقولهم وعاندوا هذا الوجود، وإذا كان كذلك فإن الإقرار فطري الإقرار بوجود الخالق يعتبر فطريا بحيث أن الفطر السليمة والعقول المستقيمة تقر بهذا النوع. |