بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: ملاحظة الله تعالى جل ذكره خلقه حين فراغه من خلقهم. قال: حدثنا أحمد بن محمد المصاحفي قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب رحمه الله تعالى قال: إن الله -عز وجل- لما فرغ من خلقه نظر إليهم على وجه الأرض كالذر فقال: إني أنا الله لا إله إلا أنا خلقتك بقوتي، وأتقنتك بحكمتي حتى يأتيك قضائي ونفاد أمري أعيدك كما خلقتك بقوتي وأبعثك حين أبقى وحدي، فإن الملك والخلود لا يحق إلا لي، أدعو خلقي لجزائي وأجمعهم لقضائي يومئذ يحشر أعدائي ويأتي وعدي وتجل القلوب من خوفي وتخف الأقدام من هيبتي وتبرأ الآلهة ممن عبدها دوني. وقال: حدثنا أبو علي المصاحفي قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب رحمه الله تعالى قال: "إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه لحظ لحظة فرجف من قواعده ثم لحظ لحظة أخرى فكاد أن يزول من مكانه ثم لحظ لحظة أخرى فكاد أن يهد من خوفه، وإنما فعل ذلك ليعرفه نفسه ويلهمه ربوبيته فعرفه الخلق يومئذ معرفة لا ينبغي له أن ينكره بعدها أبدا، وذل له الخلق يومئذ ذلا لا ينبغي أن يعازه بعدها أبدا ودخله من الخوف يومئذ خوف لا يخرج منه أبدا، وأقر له بالملكة يومئذ قرارا لا ينبغي له أن يستنكف عنه بعدها أبدا ثم صارت تلك المعرفة وراثة فيما يكون من النسل بعد ذلك إلى يوم القيامة. وذكر وهب رحمه الله تعالى أن الله -عز وجل- لما فرغ من خلقه يوم الجمعة أقبل على الكلام يوم السبت فمدح نفسه -عز وجل- بما هو أهله فمدحها وذكر عظمته وجبروته وكبرياءه وجلاله وسلطانه وقدرته وملكه وربوبيته، فأنصت له كل شيء وأطرق كل شيء من خوفه، ومن أجل ذلك جعل يوم السبت عيدا لأهل التوراة يذكرونه ويسبحونه ويعظمونه ويصلون له ومن أجل ذلك أمرهم أن يتفرغوا له ويفرغوا له أهلهم ولا يكون لهم في ذلك اليوم عمل إلا ذكره وصلاته وتسبيحه، فلم يكن في ذلك الزمان يوم من أيام الدنيا أعظم عند الله -عز وجل- حرمة من يوم السبت لأنه فرغ فيه من جميع خلقه حتى جاء الله -عز وجل- بالإسلام فألزم به أهله فاختار لهم الجمعة فليس أمة من الأمم أعظم عند الله -عز وجل- فضلا من هذه الأمة. قال: وذكر وهب رحمه الله تعالى إن الله تبارك وتعالى أقبل على الكلام يوم السبت حين فرغ من خلقه قال: إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو العرش المجيد والأمثال العلى، إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو الرحمة الواسعة والأسماء الحسنى، إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو المن والطول والآلاء والكبرياء، إني أنا الله لا إله إلا أنا بديع السماوات والأرض وما فيهن ومقيم السماوات والأرض وما فيهن وجبار السماوات والأرض وما فيهن، ملأت كل شيء عظمتي وقهرت كل شيء ملكتي وأحاطت بكل شيء قدرتي وأحصى كل شيء علمي ووسعت كل شيء رحمتي وبلغ كل شيء لطفي وأفني كل شيء طول حياتي، فأنا الله يا معشر الخلائق فاعرفوا مكاني فإنه ليس في السماوات والأرض إلا أنا وخلق لا يقوم ولا يدوم إلا بي يتقلب في قبضتي ويعيش في رزقي وحياته وموته وبقاؤه وفناؤه بيدي، وليس له مخلص ولا ملجأ غيري ولو تخليت منه إذا لدمر كله وإذا كنت على حالي لا ينقصني ذلك شيء ولا يزيدني ولا يمدني فقره ولا يكرثني، أنا مستغن بالغناء كله في جبروت ملكي وعزة سلطاني وبرهان نوري وسر وحدتي وقوة توحدي وسعة بطشي وعلو مكاني وعظمة شاني، فلا شيء يثقلني ولا إله غيري ولا شيء يعدلني وليس ينبغي لشيء خلقته أن ينكرني ولا يكابرني ولا يعاذني ولا يخرج من قدرتي ولا يريم قبضتي ولا يستنكف عن عبادتي ولا يعدل بي، وكيف ينكرني من جبلته يوم خلقته على معرفتي أم كيف يكابرني من قد قهرته بملكي فليس له خالق ولا رازق ولا باعث ولا وارث غيري، أم كيف يعازني من ناصيته بيدي أم كيف يعدل بي من أفني عمره وأسقم جسمه وأنقص عقله وقوته وأتوفى نفسه وأخلقه وأهرمه فلا يمتنع. أم كيف يستنكف عن عبادتي عبدي وابن عبدي وابن أمتي وملكي وطوع يدي، لا ينتسب إلى خالق ولا وارث غيري، أم كيف يعبد من دوني من تخلقه الدنيا ويفني أجله اختلاف الليل والنهار، وهما شعبة يسيرة من سلطاني فإلي إلي يا أهل الموت والفناء إلي لا إلى غيري فإني كتبت الرحمة على نفسي وقضيت العفو والمغفرة لمن استغفرني أغفر الذنوب جميعا صغيرها وكبيرها ولا يكبر علي ذلك ولا يتعاظمني فلا تلقوا بأيديكم ولا تقنطوا من رحمتي، فإن رحمتي سبقت غضبي وخزائن الخير كلها بيدي، لم أخلق شيئا مما خلقت لحاجة كانت بي إليه، ولكن لأبين به قدرتي ولأعرف به الناظرين نفسي ولينظر الناظرون في ملكي وتدبير حكمي وليدين الخلائق كلها لعزتي ويسبح الخلق كله بحمدي ولتعن الوجوه كلها لوجهي ما ذكر من عباد الله-عز وجل- في أرضه وما خصوا به من النعم". قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا علي بن ثابت قال: حدثنا القاسم بن سلام قال سمعت الشعبي -رحمه الله تعالى -يقول: "إن لله-عز وجل- عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس ما يرون أن الله تعالى عصاه مخلوق رضراضهم الدر والياقوت، جبالهم الذهب والفضة لا يحرثون ولا يزرعون ولا يعملون عملا لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم". قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر بن نصر الجمال قال: حدثنا حميد بن زنجويه قال: حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال: حدثنا مسلمة بن علي عن عبد الرحمن الخراساني عن مقاتل بن حيان عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: { إن لله تعالى أرضا من وراء أرضكم هذه بيضاء نورها وبياضها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما قالوا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يعني مثل الدنيا أربعين مرة فيها عباد لله تعالى لم يعصوه طرفة عين، قالوا: يا رسول الله أمن الملائكة هم قال: ما يعلمون أن الله خلق الملائكة قالوا: يا رسول الله أفمن ولد آدم هم قال: ما يعلمون أن الله-عز وجل- خلق آدم قالوا: يا رسول الله أفمن ولد إبليس هم؟ قال ما يعلمون أن الله-عز وجل- خلق إبليس، قالوا: يا رسول الله فمن هم؟ قال: هم قوم يقال لهم الروحانيون خلقهم الله-عز وجل- من ضوء نوره } . قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا هشام بن يوسف -رحمه الله تعالى -في تفسير ابن جريج { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } قال: مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها لسمع وجوب الشمس حين تجب فحدث الحسن عن سمرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم - { لم يبن فيها بناء قط كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا سربا لهم حتى تزول الشمس } . قال: حدثنا أبو العباس الهروي قال: حدثنا محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا معتمر عن المغيرة بن سلمة قال: أخبرني أبو أمية مولى شبرمة واسمه الحكم عن بعض أئمة الكوفة قال: { قام ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقصد رسول الله -صلى الله عليه وسلم -نحوهم فسكتوا فقال: ما كنتم تقولون؟ قالوا يا نبي الله -صلى الله عليه وسلم - نظرنا إلى الشمس فتفكرنا فيها من أين تجيء وأين تذهب وتفكرنا في خلق الله-عز وجل- فقال -صلى الله عليه وسلم -كذلك فافعلوا تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فإن لله تبارك وتعالى وراء المغرب أرضا بيضاء بياضها نورها أو نورها بياضها مسيرة الشمس أربعين يوما فيها خلق من خلق الله-عز وجل- لم يعصوا الله-عز وجل- طرفة عين، قيل: يا نبي الله من ولد آدم هم قال: ما يدرون خلق آدم أم لم يخلق قيل: يا نبي الله فأين إبليس عنهم؟ قال: ما يدرون خلق إبليس أم لم يخلق } . يستدلون بهذه الآثار من خلق الله تعالى وفراغه من خلق المخلوقات والحيوانات والجمادات والأرض والسماوات، وقد ذكر الله تعالى خلق ذلك كما في قوله تعالى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } وغير ذلك من الآيات ورد في تفسير الستة الأيام التي خلق الله تعالى فيها المخلوقات: أن الله خلق التربة يوم الأحد وخلق الماء والشجر يوم الاثنين وخلق السماوات يوم الثلاثاء إلى آخره، وأن آخر الأيام التي خلق فيها الخلق يوم الجمعة. وورد أيضا أحاديث تدل على أن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ورد { أن الله تعالى أول شيء خلقه بعد العرش القلم فأمره وقال له: اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة } بأمر ربه سبحانه, ولا شك أنه سبحانه لما خلق هذه المخلوقات الجمادات والمتحركات أنه جعل فيها إحساسا بحيث إنها تفهم وتعي ما يقال لها وأنها تطيع ربها وتسبحه وتسجد له كما قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } . أخبر تعالى بأنه جعل لها فطنة وذكاء بحيث إنها تسجد لمن خلقها ولمن أوجدها حتى الجبال والشجر والدواب وما أشبهها، وأما سعة الأرض فهي كما شاء الله تعالى جعل الأرض واسعة قال تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أي أن خلق الله واسع وأن هذه الأفلاك واسعة. |