الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- ذكر جبل قاف المحيط بالأرض. قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن بن عبد الله الآملي قال: حدثنا محمد بن الفضل الطبري عن خلف بن ميمون قال: حدثنا عمرو بن صبح عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله عز وجل: { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } قال: أنبت الله -عز وجل-من الياقوتة جبلا فأحاط بالأرضين السبع على مثل خلق الياقوتة في حسنها وخضرتها وصفائها، فصارت الأرضون السبع في ذلك الجبل كالإصبع في الخاتم، وارتفع بإذن الله -عز وجل- في الجو حتى لم يبق بينه وبين السماء إلا ثمانون فرسخا، وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام للراكب المسرع. ثم أنبت الله -عز وجل-هذه الجبال التي على وجه الأرض في برها وبحرها من ذلك الجبل، فهي عروق ذلك الجبل متشعبة في الأرضين السبع، فذلك قوله تعالى: { وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } . { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ } فالرواسي: الثابتات الأصول إلى الأرض السابعة، والشامخات: العاليات الفروع فوق هذه الأرض، قال: ولذلك الجبل رأس كرأس الرجل ووجه كوجه الرجل وقلب على قلوب الملائكة؛ للمعرفة لله سبحانه وتعالى والخشية والطاعة له، فذلك قوله جل ذكره: { ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } فقاف ذلك الجبل وهو اسمه، وهو أقطار السماوات والأرض التي يقول الله -عز وجل- { إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } . وخلق الله -عز وجل- في عروق ذلك الجبل ألوان المياه التي تجري في البحور من البياض والخضرة والسواد والصفرة والحمرة والكدرة والعذب والمالح والمنتن والزعاق، فإذا أراد الله -عز وجل- أن يزلزل قرية أوحى الله إلى ذلك الجبل أن يحرك منه عرق كذا وكذا، فإذا حركه خسف الله -عز وجل- بالقرية فخضرة السماء من ذلك، وخضرة ذلك الجبل من تلك الصخرة قضى ذلك الرحمن تبارك وتعالى. فهبط جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى الأرض، فلما انفرجت عنه سماء الدنيا رمى ببصره إلى الأرض فإذا هي ساكنة قد استقرت بالجبال بإذن الله جلت في عظمة الله -عز وجل- فوقف مكانه، ثم أنشأ ينظر تعجبا فلما رأى جبريل صلى الله على نبينا وعليه وسلم جبل قاف أنكره، لما رأى من عظم خلقه وحسن لونه، فقال: إن هذا الخلق ابتدعه الرحمن تبارك وتعالى الليلة. فلما أتاه أبصر خلقا عظيما عجيبا مع صفائه وحسن لونه، ورأى عروقه متشعبة في الأرض ما بين برها وبحرها قد ارتفعت على وجه الأرض منيفة ذراها في الهواء، فتعجب من كبرها واختلاف خلقها وتشتت ألوانها واستقرار الأرض عليها، فنظر إلى قاف وقبض عليها، فقال: إلهي، ما هذا؟ قال: يا جبرائيل هذا الجبل قال: إلهي، وما الجبل؟ قال: حجر، قال: إلهي، هل أنت خالق خلقا هو أشد من الحجر؟ قال: نعم، الحديد يقد به الحجر، قال: إلهي هل أنت خالق خلقا أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار يلين بها الحديد، قال: إلهي، هل أنت خالق خلقا هو أشد من النار؟ قال: نعم، الماء يُطفأ به النار، قال: إلهي، هل أنت خالق خلقا هو أشد من الماء؟ قال: نعم، الريح تفرقه أمواجا وتحبسه عن مجراه، قال: إلهي، هل أنت خالق خلقا هو أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يحتال لهذا كله بعضه ببعض. فخر جبريل -عليه السلام- ساجدا فأطال السجود والبكاء والثناء على الله عز وجل، ثم قال: يا رب ما كنت أظن أنك تخلق خلقا هو أشد مني، فأوحى الله -عز وجل- إليه يا جبريل ما لم ترَ من قدرتي ولم تبلغ من كنه شأني ولم تعلم به إلى ما قد رأيت، وعلمت كالبحر المغلوب الذي لا تعرف نواحيه ولا يوصف عمقه إلى قطر الرشاء. قال جبريل كذلك أنت إلهي وأقدر وأعظم، ثم رجع إلى السماء السابعة العليا متقاصرة إليه نفسه، لما رأى من الخلق العظيم والعجب العجيب، حتى وقف في مكان متعبده من السماء السابعة، فذلك قوله جل ذكره: { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } يعني لكيلا تميد بكم كما كانت تفعل قبل ذلك. قال: ذكر جدي -رحمه الله تعالى- عن سلمة بن شبيب قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز عن وهب -رحمه الله- قال: جاء ذو القرنين إلى الجبل المحيط بالدنيا وهو قاف فقال: أنت قاف؟ قال: نعم، قال: فما هذه الجبال الراسيات؟ قال: هذه من عروقي، فإذا أراد الله -عز وجل- أن يزلزل بالأرض أوحى إلي فحركت عرقا من عروقي، قال: فاستوحش ذو القرنين فبعث الله تعالى إليه ملكا يؤنسه، فقال: هل من ورائها أرض أخرى، قال: نعم، أرض بيضاء مسيرة خمسمائة عام مملوءة ثلجا، لولا برد ذلك الثلج لهلك أهل تلك البلدة من حر حملة العرش، وقال: هل وراءها أرض أخرى؟ قال: نعم، أرض مملوءة بردا لولا برد ذلك البرد لهلك أهل تلك البلدة من حر حملة العرش، قال: قلت: أخبرني بعظيم من عظمة الله -عز وجل- بكلمة واحدة، قال: إن ما حدثتك لبين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- كخردلة في فلاة من الأرض. قال: وحدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو حاتم عن آدم بن أبي إياس عن شيخ من بني تميم عن أبي روق عطية بن الحارث عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خلق الله -عز وجل- جبلا يقال له: قاف محيط بالأرض، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله -عز وجل- أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل، فيحرك الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها، فمن ثم تحرك القرية دون القرية. قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان قال: حدثنا أبو أسامة عن صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة قال: قاف جبل محيط بالأرض من زمردة عليها كنف السماء. قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح قال: حدثنا علي بن عمرو عن إبراهيم بن موسى البحراني عن مقاتل عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: { دخل علينا رسول الله -صلي الله عليه وسلم- ونحن في المسجد حلق حلق، فقال لنا رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فيم أنتم؟ قلنا: نتفكر في الشمس كيف طلعت وكيف غربت، قال: أحسنتم، كونوا هكذا تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق، فإن الله -عز وجل- خلق ما شاء لما شاء وتعجبون من ذلك، إن من وراء قاف سبع بحار كل بحر خمسمائة عام، ومن وراء ذلك سبع أرضين يضيء نورها لأهلها، ومن وراء ذلك سبعين ألف أمة يطيرون خلقوا على أمثال الطير هو وفرخه في الهواء لا يفترون عن تسبيحة واحدة، ومن وراء ذلك سبعين ألف أمة خلقوا من ريح فطعامهم؛ ريح وشرابهم ريح وثيابهم من ريح وآنيتهم من ريح ودوابهم من ريح لا تستقر حوافر دوابهم على الأرض إلى قيام الساعة، أعينهم في صدورهم ينام أحدهم نومة واحدة ينتبه ورزقه عند رأسه، ومن وراء ذلك سبعين ألف أمة، ومن وراء ذلك ظل العرش وفي ظل العرش سبعين ألف أمة، ما يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم ولا ولد آدم ولا إبليس ولا ولد إبليس، وهو يقول سبحانه وتعالى: { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } } . ما ذكر أن ربنا سبحانه خالق كل شيء وأنه يخلق ما لا تعلمون، وأنه يقدر العباد على الاختراع وعلى الصناعات العجيبة الغريبة ولا يخرجون بذلك عن قدرة الخالق ولا عن تصرفه ولا عن ملكيته، فهو خالق كل شيء ورب كل شيء ومليك كل شيء، وإنما أخبرنا به من هذه المخلوقات التي نشاهدها، وإلا فالكون لا يعلم به إلا الله. إذا عرفنا أن هذه الأرض التي نحن عليها واحدة من سبع أرضين لا نعلم أين بقية الأراضي، يقول الله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } لا نعلم بقية الأرض فالفضاء واسع، كما قال تعالى: { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } . ويمكن أن تلك الأراضي عليها خلق مثل هؤلاء الخلق؛ إما من جنس البشر، أو من جنس آخر، ومع ذلك لم نسمع بهم، ولا تصل إليهم قوتنا ولا حركاتنا ولا قدرة البشر، وأنهم مخلوقون كما خلق البشر على هذه الأرض. وكذلك أيضا السماوات؛ أخبر الله تعالى بأنها { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا } { سَبْعًا شِدَادًا } وبعضها فوق بعض، ولا يدرى ما عامرها، الله تعالى هو الذي خلقها وهو الذي قدر أو خلق فيها من خلق. في الحديث الصحيح يقول: { لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع } دل على أن هناك سبع سماوات وسبع أرضين، وأنها موجود فيها الخلق الذين خلقهم لعبادته. ورد في حديث: { أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد } هذا هؤلاء خلق من خلق الله تعالى. لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- رأى البيت المعمور المذكور في أول سورة الطور: { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } البيت المعمور في السماء السابعة، ذكر أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إليه بقية الدنيا من سماء واحدة، وقيل: إن في كل سماء بيت يدخله مثل هذا العدد. { وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } . فهذا ونحوه مما يدل على عظمة الخالق وقدرته على كل شيء، وخلقه لهذه المخلوقات وتدبيره لها كما يشاء، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } هذا خلق الله. لما ذكر بعض خلقه في قوله تعالى: { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } يعني هذه الدواب التي بثها الله تعالى على هذه الأرض. يقول بعد ذلك: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } . وقد أخبر تعالى بأنه على العرش استوى، خلق العرش وأخبر بأن الكرسي وسع السماوات والأرض، والكرسي قيل: إنه كالمرقاة بين يدي العرش، ومع ذلك فإنه يتسع للسماوات والأرض، حتى ورد حديث { ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس } ماذا تشغل هذه السبعة دراهم قطعة صغيرة من الفضة، ماذا تشغل من الترس الذي هو المغفر الذي يلبس على الرأس من الحديد. خلق الله تعالى أعظم من أن يتصوره المتصور، من جملة خلقه من الملائكة جبريل -عليه السلام- له قدرة على أن يتشكل بما يشاء، كان يتشكل بشكل أعرابي، وأحيانا يأتي في صورة رجل يقال له دحية بن خليفة ومع ذلك فإنه لا يعرف ولا يقدر قدره إلا ربه. ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه مرتين له ستمائة جناح وقد سد الأفق، هذا ملك من ملائكة الله تعالى قد سد الأفق وله هذا العدد من الأجنحة. ذكر في هذا الأثر -الذي سمعنا- أن الله تعالى خلق هذه الجبال التي نشاهدها، تشاهدون أن بعضها يرتفع في السماء نحو أو قدر الكيلو أو أرفع أو أقل ارتفاعه في السماء، ومع ذلك فيه هذه الصلابة وهذه الشدة؛ ولذلك ذكر الله تعالى أنه أنبت هذه الجبال وأرساها وجعلها رواسي في الأرض على ما فيها من الصلابة والقوة. ذكر في هذا الأثر أن الله لما خلق هذه الجبال، قال جبريل يا رب، هل خلقت خلقا أعظم من هذه الجبال؟ قال: نعم، الحديد؛ مشاهد أن الحديد يكسر هذه الجبال. هذا الحديد الذي يؤتى به كعتل، أو هذه المتفجرات ونحوها تكسر هذا الحديد، فيكون الحديد أقوى من هذه الجبال وهذه الصخور، فقال: يا رب، وهل خلقت أشد من الحديد؟ قال: نعم، الحديد خَلَقَ الله تعالى ما هو أشد منه.. خلق النار، خلق النار التي تذيب الحديد، إذا أدخل فيها هذا الحديد مع صلابته يذوب حتى يكون كأنه ماء يسيل، مع صلابته وقوته فهذه النار خلقها الله تعالى وجعلها أقوى من الحديد. معلوم أن هذه النار توقد مما توقد به من هذا الكبريت ونحوه، وأنها تخرج حتى من الشجر الأخضر، كما قال الله تعالى: { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا } يعني أخرج من هذا الشجر الأخضر نارا توقدونها وتنتفعون بها { فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } ويقول الله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ } أي تقدحونها. هذه النار من أعجب ما خلق الله؛ حيث جعلها تتقد وتشتعل وتحرق ما تصل إليه وتذيب الحديد، الحديد الذي يكسر الجبال يذوب في هذه النار حتى يكون ماء سائلا. لما ذكر الله تعالى النار قال: يا رب، وهل خلقت في خلقك ما هو أقوى من النار؟ قال: نعم، الماء الذي يطفئ النار، الماء إذا نزل انطفأت هذه النار، فجعله ضدا لها وجعله مقاوما لها؛ وذلك لأنها قد تشتعل وتتقد وتحرق ما حولها من الأمتعة ومن الحطب، وقد تحرق أيضا ما يكون فيها من البهائم والإنسان ونحو ذلك، فإحراقها دليل على قوتها، ولكن جعل الله ما يقاومها فخلق هذا الماء الذي يطفئها إذا صب عليها خمدت وانطفأت. لا شك أن هذا أيضا من آيات الله كل هذه من آيات الله تعالى ومن عجائب خلقه، حيث خلق ما يشاء. لما أخبره بأنه خلق هذا الماء، قال: يا رب، وهل خلقت أشد من الماء؟ فقال: نعم، ابن آدم الذي بما أعطاه الله تعالى من القوة والقدرة يتمكن من ذلك كله ويتصرف فيه، أعطى الله تعالى ابن آدم هذه الفكرة، وهذه القوة وهذه المعرفة؛ فهو إذا أراد قطع من الحديد ما يشاء، وإذا أراد قطع من الجبال ما يحتاج إليه، وإذا شاء أوقد النار لحاجته وعمل فيها ما يريد، وإذا شاء أخرج الماء من الآبار ومن جوف الأرض وتصرف فيه، وله أيضا القدرة التي أقدره الله تعالى عليها بحيث أنه يقدر على ما يخرجه من هذه المستخرجات ونحوها. فهذه المخترعات الجديدة؛ الله تعالى هو الذي أقدره عليها، وتدخل في قول الله تعالى: { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } فوجود هذه السيارات والطائرات والماكينات وما أشبهها، وكذلك أيضا إخراج هذه الكهرباء وما يحصل فيها هذا مما سخره الله تعالى، ومما يسر أسبابه ومواده. لما اخترع بعض هذه الأشياء الجديدة أنكرها بعض العامة، فرد عليهم بعض العلماء ونحوهم؛ أنكر بعضهم صناعة هذه الساعة التي تعرف بها المواقيت، وادعوا أنها من السحر فرد عليهم العلماء: وقالوا إن الإنسان ينثرها قطعة قطعة ثم يعيدها ويعرف كيف تتمكن من السير، فهي من الآلات الصناعية فلا تدخل فيما لا يعرف سببه، بل سببها معروف. ولما اخترعت البرقية أنكرها أيضا بعض العامة، وادعوا أنها سحر وأن الشيطان هو الذي يطير بهذه الكلمات أو بهذه الأوراق وكذبوا بها، ولكن بعد ذلك تبينوا لما تعلموا وسائله وأسبابها، وإذا عرف السبب بطل العجب. وكذلك أيضا بقية هذه المخترعات التي تتجدد؛ يعني مثلا هذه الإذاعة التي تبث هذا الصوت إلى مكان بعيد، لا شك أن الله تعالى هو الذي أقدر عليها؛ بحيث أن هذا الصوت لا يتغير صوت فلان يذاع في الوقت الفلاني، ويصل إلى البلاد النائية البعيدة والقريبة ويسمع كما هو، هذا من آيات الله تعالى. وكذلك أيضا البث المرئي الذي هو هذا الرائي لا شك أيضا أنه من آيات الله تعالى؛ حيث أنه أوجد هذه الآلات التي تجتذب هذا المرئي ونحوه، فلا يكون هناك غرابة فيما أقدر الله تعالى عليه. وهو الذي خلق هذه المواد التي صنعت منها هذه الأدوات؛ يعني هو الذي خلق الحديد، قال الله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } . فإذا كان الله هو الذي خلقه فإنه هو الذي أقدر الإنسان على أن يخترع منه هذه الأدوات التي يحصل بها هذا النفع، فتحصل فيها هذه المنافع. فكونه يسر هذه المخترعات وهذه الصناعات التي وجدت في هذه الأزمنة؛ نعمة من الله تعالى أن يسر أسبابها، ولو كان هناك من يعرف الأسباب ومن لا يعرفها، ولكن متى عرف سبب ذلك فإنه يعرف أنه بتوفيق من الله تعالى وبإعانة منه وبتعليم منه { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } . الأسئـلة س: ما الحكم لو قيل بأن الأرض تجري أيضا مثل الشمس، وهل هناك دليل يمنع أن تكون الأرض تجري مثل الشمس؟ ما ذكر الله تعالى أن الأرض تجري؛ ذكر أن الفلك تجري { وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي السفن، ولم يذكر أن الأرض تجري ولا أن السماء تجري، إنما ذكر الله أن الشمس تجري وأن القمر يجري { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي } والجريان هو السير؛ أي الشمس تسير والأرض ثابتة، الشمس تسير والقمر يسير والسفينة تسير في البحر، ولم يذكر جريان الأرض. |