............................................................................... فمسلم -رحمه الله- استدل بهذا الحديث على إنزال الرواة منازلهم، يعني لما قسم رواة الأحاديث، وذكر أن منهم جهابذة حفاظ من علماء الأمة ومشاهيرها لهم مكانتهم، فهؤلاء يقدمون وتقبل روايتهم ويجعلون في أول الأسانيد، ويبدأ بمروياتهم وأحاديثهم، وهناك آخرون متوسطون عندهم نوع من العلم ومن الحفظ، ولكن لهم هذه المنزلة التي هي دون الأولين فننزلهم منزلتهم؛ أي نجعل رواياتهم في الشواهد ومقويات ومتابعات وما أشبه ذلك, وهناك آخرون ليسوا من أهل الرواية وليسوا من أهل العلم، وليسوا من أهل حمل الأحاديث والسنة فهؤلاء لا نشتغل بهم، هكذا جعل هذا الإنزال { أنزلوا الناس منازلهم } ولا شك أن الحديث على عمومه، وأنه يدخل فيه منازل الناس العامة والخاصة؛ فمعلوم مثلا: أن الإنسان إذا رأى من له مكانة وهيئة فإنه يحترمه، وإذا رأى آخر دونه في المكانة والهيبة والهيئة فإنه يكون قدره أقل، فهذا واقع حتى عند بعض البهائم. يقول بعض الشعراء: إن الفقـير بكـل شـيء مبتلى والنـاس تغلـق دونـه أبوابهـا حتى الكـلاب إذا رأت ذا هـيئة أصـغت إلـيه وحـركت أذنـابها وإذا رأت يومـا فقـيرا ذاهـبا نبحـت علـيه وكشـرت أنيابهـا يعني مع أنها بهائم، ولكن من جبلتها مما خلقت عليه؛ أنها إذا رأت الذي له هيئة، وله هيبة، وله مظهر ولباس ظاهر، ولباس فاخر أنها تميل إليه، وتحرك أذنابها وتصغي إليه، وأما الفقير الذي لباسه رديء وثيابه رثة سملة فإنها تستنكره وتنبحه هكذا ذكروا. |