بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الشيخ العلامة المرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي في كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبين لأحكام شرائع الدين، الفائز بمنتهى الإرادات من ربه، فمن تمسك بشريعته فهو من الفائزين، صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آل كل وصحبه أجمعين. وبعد: فهذا مختصر في الفقه على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد بالغت في إيضاحه رجاء الغفران، وبينت فيه الأحكام أحسن بيان، لم أذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان، وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان، وسميته "دليل الطالب لنيل المطالب"، والله أسأل أن ينفع به من اشتغل به، وأن يرحمني والمسلمين إنه أرحم الراحمين. كتاب الطهارة: وهي رفع الحدث وزوال الخبث، وأقسام الماء ثلاثة: أحدها: طهور وهو الباقي على خلقته يرفع الحدث ويزيل الخبث، وهو أربعة أنواع: ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث، وهو ما ليس مباحا. وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى، وهو ما خلت به المرأة المكلفة بطهارة كاملة عن حدث. وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه، وهو ماء بئر بمقبرة، وماء اشتد حره، أو برده أو سخن بنجاسة أو بمغصوب، أو استعمل في طهارة لم تجب، أو في غسل كافر، أو تغير بملح مائي، أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القماري وقطع الكافور والدهن، ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث. وماء لا يكره استعماله كماء البحر والآبار والعيون والأنهار والحمام، ولا يكره المسخن بالشمس والمتغير بطول المكث أو بالريح من نحو ميتة، أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر ما لم يوضعا. الثاني طاهر: يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث، وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر، فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته، ومن الطاهر ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث، أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب. الثالث نجس: يحرم استعماله إلا لضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث، وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه، فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر، والكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي، وثمانون رطلا وسبعان بالقدسي، ومساحتهما ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، فإذا كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه، وإن شك في كثرته فهو نجس، وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة، ويلزم من علم بنجاسة الشيء إعلام من أراد أن يستعمله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نحمد الله على أن هيأ الأسباب وسهلها لنيل المراد وللحصول على المطلوب ولتعلم العلم ولنيل ما يتيسر منه، فمثل هذا الاجتماع من هؤلاء الشباب من كل الجهات ومن كل الدول أو أكثرها يبشر بخير، وذلك يدل على أن هناك والحمد لله من يحرص على طلب العلم وعلى الاستفادة منه، ومن يحرص على نيل المراد الذي يكون نيله سببا في عبادة الله تعالى على نور وبصيرة. وليس بغريب أن يتكلف الذي يطلب العلم ويأتي من مكان بعيد، فقد كان قبل ستين سنة أو نحوها طالب العلم يسير يسافر من بلده مسيرة شهر حتى يصل إلى البلد التي فيها العلماء، ثم يغيب عن بلده سنة سنتين أو أكثر أو أقل لا يأتيه خبر أهله ولا يأتيهم خبره إلا في السنة مرة أو مرتين، أما في أزماننا هذه فقد يسر الله الوسائل ويسر الأسباب، وأصبحت المسافة التي تقطع في شهر تقطع في خمس ساعات أو عشر ساعات أو أقل، وكذلك أيضا أصبحت الأخبار تصل إليه أخبار أهله وتصل إليهم أخباره في كل ساعة كلما أراد، ولكن مع ذلك لا شك أن الذي يأتي ويفارق أهله ولو لم يغب عنهم إلا خمسة أيام أو عشرة أيام أن ذلك دليل على حرصه، ودليل على اجتهاده في طلب العلم ومحبته، والحمد لله الذي يسر ذلك، والحمد لله الذي جعل في قلوب المؤمنين محبة ورغبة في التصدي للعلم والحرص على نيله. نعود فنقول: هذا الكتاب الذي هو دليل الطالب لنيل المطالب ألفه كما سمعتم وكما تعرفون شاب يقال له: مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي من علماء القرن الحادي عشر ألفه وهو في شبابه، ولما عرضه على أحد مشائخه قالوا له تعجبا قالوا: زبزبت قبل أن تحصرم؛ مثلا يضرب للذي ينجح وهو سريع يعني: عادة الزبيب أنه الزبيب الذي هو ثمر العنب يكون قبل أن يزبزب يكون حصرما يعني: حبات صغيرة حامضة، ثم بعد ذلك يكون حاليا، ثم بعد ذلك يجف ويصير زبيبا فيقول: إنك نجحت وأفلحت وعرفت وأنت لا تزال شابا في ريعان الشباب في سن الثلاثين أو قبل ذلك. فوفقه الله تعالى وأعطاه ذكاء، وألف مؤلفات فهو الذي شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية التي في العقيدة والتي أولها: يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي رزق الهدى من للهداية يسأل وشرحها غيره أيضا كالمرداوي شرحها غيره، وله أيضا ترجمة لشيخ الإسلام ابن تيمية مطبوعة تدل على أنه يحبه وأنه يتابعه. وله أيضا كتاب في التوحيد يعني في حقيقة التوحيد وفي حقيقة أو بعض أنواع الشرك لخصه من كتاب شيخ الإسلام الذي هو من كتب شيخ الإسلام، ولكن أشهر ما اعتمد عليه الاقتضاء "اقتضاء الصراط المستقيم" وأضاف إليه غيره، فله مؤلفات تدل على أن عنده معرفة، وأن له فضلا على من جاء بعده. هذا الكتاب الذي هو دليل الطالب قد شرح قديما وأحسن شروحه شرح ابن ضويان الذي سماه منار السبيل شرحا موفق فيه مؤلفه حيث أنه رحمه الله اختار أن يدلل ويقتصر على ذكر الجملة، ثم يذكر عليها الأدلة يذكر الدليل، وقد يقتصر على كل جملة بدليل واحد ولو كان هناك أدلة أكثر، وهو الذي قد شرحناه في دروس متكررة استغرق شرحه نحو اثني عشرة سنة وطبع من الشرح مجلد فيه كتاب الطهارة وسمي بشفاء العليل في شرح الدليل أو في شرح منار السبيل، وبالحقيقة شرح للمنار ولكن في الأصل أنه لا يزيد عن شرح الدليل. والحاصل أن هذا الكتاب مرتب كما رتبت الكتب قبله الذين جاءوا بعد موفق الدين ابن قدامة مشوا على ترتيب كتابه المقنع، وهو أحسن كتبه وأوسطها فمشوا على ترتيبه حيث أنهم رتبوا الأبواب على ترتيبه مع أن ابن قدامة نفسه له كتب خالفه في ترتيبها فله كتاب العمدة عمدة الفقه ترتيبه مخالف ترتيب المقنع، وكذا الكافي وكذا المغني ترتيبه مختلف عن ترتيب المقنع، ولكن المشتهر المقنع من كثرة الذين خدموه عند ذلك اشتهر بأنه الذي صاروا على ترتيبه. فمنهم من شرحه يعني شرح المقنع كابن أخي المؤلف ابن أبي عمر صاحب الشرح الكبير، وكذلك البرهان بن مفلح صاحب المبدع وكذا المرداوي صاحب الإنصاف وغيرهم ممن اهتموا بشرحه، ومنهم من اختصره كالحجاوي الذي هو موسى صاحب زاد المستقنع، ثم شرح الزاد شرحه البهوتي الروض المربع. والحاصل أن كل من جاء بعد الموفق فإنهم مشوا على ترتيب المقنع، ابتدأ المؤلف بهذه الخطبة المختصرة. |