بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلى يوم الدين. أما بعد: قال العلامة مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي القسم الثاني من أقسام المياه طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته، ومن الطاهر ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث، أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب. القسم الثالث: نجس يحرم استعماله إلا لضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث، وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر، والكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان بالقدسي ومساحتهما ذراعا وربع طولا وعرضا وعمقا، فإذا كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه، وإن شك في كثرته فهو نجس وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة، ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله. باب الآنية: يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما، وتصح الطهارة بهما وبالإناء المغصوب، ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة بغير سرف، وآنية الكفار وثيابهم طاهرة، ولا يلبس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته، وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وجلدها نجس ولا يطهر بالدباغ، والشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر، ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية. باب الاستنجاء وآداب التخلي: الاستنجاء هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منق، فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء، ولا يجزئ أقل من ثلاثة مسحات تعم كل مسحة المحل، والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان وظنه كاف، ويسن الاستنجاء بالحجر ثم بالماء فإن عكس كره ويجزئ أحدهما والماء أفضل، ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء، ويحرم بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة فإن فعل لم يجز بعد ذلك إلا الماء كما لو تعدى الخارج موضع العادة، ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوث المحل. فصل: في آداب التخلي: يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى وقول: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث. وإذا خرج قدم اليمنى وقال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر ومهب الريح، والكلام، والبول في إناء وشق ونار ورماد، ولا يكره البول قائما، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل، ويكفي إرخاء ذيله ،وأن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك وظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد، وبين قبور المسلمين، وأن يلبث فوق قدر حاجته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ذكر المؤلف أن أقسام الماء ثلاثة: طهور وطاهر ونجس، وذكرنا أن بعض العلماء قالوا: إنهما قسمان طهور ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير. فالماء طهور إلا إذا تغير بنجاسة أو سلب اسمه بأن لم يكن يسمى ماءا فهذا الثاني الذي ذكروه قالوا: يجوز استعماله إلا في رفع الحدث وزوال الخبث فلا يتوضأ به ولا تغسل به النجاسات. عرفوه بأنه ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر ونقول: إنه إذا تغير انقلب اسمه فلا يسمى ماء، إذا طبخ فيه اللحم فلا يسمى ماء بل يسمى مرقا، وإذا صب عليه لبن فتغير إلى البياض ما يسمى ماء بل يسمى لبنا، من رآه أبيض قال: هذا لبن، وكذلك إذا طبخ فيه مثلا قشر رمان وأصبح أسود ما يسمى ماء بل يسمى حبرا. الأولون إذا أرادوا أن يصلحوا الحبر طبخوا قشر الرمان طبخا كثيرا فينقلب الماء أسود ويضيفون إليه شيئا من الزاج ومن الصمغ ويكتبون به هذا هو الحبر عندهم، فإذا طبخ في الماء هذا القشر أصبح حبرا سلبه اسمه، أو صبغا يصبغون به الثياب تنقلب هذا البياض إلى السواد أو إلى الحمرة فلا يسمونه ماء. فعلى هذا نقول: إنه لا يسمى ماء؛ لأنه انقلب اسمه، وكذلك مثلا إذا غمس فيه تمر ثم مرس ذلك التمر وتغير لونه ولو أنه بتمر أو بزبيب يسمى خلا أو يسمى نبيذا لكن إذا صفى صفي جازت الطهارة به. في حديث ابن مسعود { أنهم كانوا في سفر ومعهم ماء في قربة فجعلوا معه تمرا -أي ليكسبه حلاوة- فلما جاء الوضوء لم يجدوا إلا ذلك الماء الذي في تلك القربة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمرة طيبة وماء طهور } فتوضأ به وذلك لأنه لا يزال صافيا أمكن أن يعزل التمر عن الماء، لأنه لم ينمرس التمر في الماء ولو انمرس لكان خلا أو لكان دبسا أو لكان مريسا فهذا لا يسمى ماء . فعلى هذا نقول: إن كل ما هو باق على مسمى الماء فإنه طهور إذا لم يتغير أحد أوصافه بنجاسة، هذا مثلا اللبن لو أمكن تصفيته بطبخ أو نحوه وانعزل الماء عن اللبن كما هو يحدث جازت الطهارة به. وكذلك النبيذ تجوز الطهارة به إذا أمكن تصفيته وزال تغيره بنفسه، وأما إذا استعمل في حدث فإنه لا يستعمل مرة ثانية سواءا استعمل في رفع الحدث أو استعمل في طهارة مستحبة بدون حدث ما يستعمل. ما كان الصحابة إذا توضئوا يتلقون ما تساقط من أعضاء وضوئهم لكن قد يجوز إذا كانوا بحاجة. فمثلا إذا كان الإنسان قد تعود أن يغتسل كل يوم؛ لأجل أن يعود بدنه قوة ونشاطا فله في حالة قلة الماء أن يغتسل في طست وهذا الماء الذي تصبب من جسده يجد من يشربه من أهل الحاجة ولو دابة ولو بعيرا مثلا أو بقرة أو شاة إذا كان في الماء قلة وهو بحاجة إلى أن يغتسل أو أن يتوضأ فإنه يحفظ ماءه إذا كان في الماء قلة ويسقيه من هو بحاجة. قد يوجد من هو ظمآن شديد الظمأ فيقول أشرب هذا الماء ولو كان مستعملا خير من أن يشتد معي الظمأ، فإذا كان مستعملا في حدث جاز أن هذا الماء أن يستعمل ويصير أيضا لا حرج في استعماله، لكنه لا يرفع به حدث بعد أن رفع به الحدث الأول. ذكرنا أن الصحابة كانوا إذا توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه وفي حديث وضوئه صلى الله عليه وسلم في الحديبية يقول سهيل بن عمرو أو غيره: { إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه } ويقول سهل إنه لما قرب الوضوء فتوضأ فمن ناضح ومائل. يعني أنهم بعضهم يتقاطر عليه من وضوئه قطرات يتبرك بها وبعضهم يأخذ من بلل الآخر فيدل على أنه لم يكن نجسا ولكن لا يستعمل في رفع حدث آخر. يقول: أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب. يجب إذا استيقظ الإنسان من نوم الليل أن يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثا. هكذا جاء في الحديث وهذا الغسل ذكروا أنه تعبد من الأمور التعبدية جاء التعليل في بعض الروايات: { فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده } ومع ذلك لو وضع يديه في كيس وربطهما وقام وهما في ذلك الكيس فهل نقول: لا يغسلهما؟ بلى يغسلهما تعبدا، لكن لو غمس يده إلى الكوع -الكوع هو المفصل الذي بين الكف والذراع- غمسها إلى الكوع في ذلك الماء وكان الماء قليلا نحو قربة أو قربتين، فهذا الماء الذي غمست فيه هذه اليد هل يجوز الطهارة به أم لا تجوز؟ الصحيح أنها تجوز وأنها لا تسلبه الطهورية وأن النهي عن غمسها من باب التعبد وأن اليد كسائر أعضائه لها حكم سائر بدنه، ومع ذلك لا يجوز العصيان لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الاستهزاء بذلك، ذكر بعض المشائخ أن إنسانا كأنه سخر من هذا الحديث وقال: بلى أنا أدري أين باتت يدي إنها باتت تحت رأسي أو نحو ذلك كما قيل. ذكروا أنه أصبح مرة وقد أدخلت يده في دبره أو بعض أصابعه عقوبة له، وهكذا أيضا لا يجوز الاستهزاء بشيء من أوامر الشرع. ذكر ابن كثير المجلد الثالث عشر من التأريخ في نحو صفحة مائتين وسبعة وأربعين في الطبعة القديمة: أن رجلا ذكر له فضل السواك فاستهزأ به وقال: عليكم أن أدخله في دبري ففعل ذلك وابتلي بقرحة في دبره -والعياذ بالله- إلى آخر القصة الطويلة، فالحاصل أنا نقول: إننا نتقرب بغسل الأيدي بعد النوم. فإذن المكلف الحر العاقل البالغ العاقل المسلم إذا نام في الليل نوما ينقض الوضوء فلا يجوز له أن يغمس يده في الماء حتى يغسلها ثلاثا بنية تطهيرها ويسمي عند الغسل واجب عليه ذلك، وأما نوم النهار فلم يذكروا ذلك فيه؛ لأن الحديث قال: لا يدري أين باتت. يده باتت البيتوتة هي نوم الليل ولا يقال في نوم النهار إنها باتت يقال: بات قائما وظل نائما بات قائما يعني: في الليل وظل نائما يعني: في النهار فظل يعني: في النهار وبات في الليل. كذلك إذا قالوا: بات قائما وظل صائما. فالحاصل أن نوم النهار ما ذكروا وجوب الغسل فيه، ولكن تعرفون أن ذلك كما يأتي مستحب أنه كلما أراد أن يتوضأ فإنه يغسل يديه ثلاثا وذلك لأنهما الآلة التي يعمل بهما ويناول بهما الأشياء، ولأنهما اللتان يغترف بهما الماء فسن أن يغسلهما ولكن لا يجزي غسلهما قبل الوجه عن غسلهما بعده؛ تقدم بقية الأقسام التي ذكروا أنها من الطاهر ولكن ذكرنا أنها على الصحيح من الطهور. |