............................................................................... تكلم بعد ذلك على استقبال القبلة واستدبارها فاختار أنه يحرم واختار تقييد ذلك إذا لم يكن هناك حائل. أي: إذا كان في الصحراء. هكذا بمعنى أنه إذا كان في صحراء فإنه لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. ذكروا من الأدلة حديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا } يخاطب أهل المدينة ؛ لأن قبلتهم في جهة الجنوب فهو يقول: اجعلوا القبلة عن أيمانكم واستقبلوا المشرق أو عن شمالكم واستقبلوا المغرب، ولا تجعلوها أمامكم ولا خلفكم وجاء أيضا حديث { سلمان لما قال له اليهود: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة يعني: حتى أداب التخلي فقال: أجل. لقد نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع دابة أو عظم } . فذكر أن من جملة ما نهاهم عنه استقبال القبلة واستدبارها، وما ذاك إلا لحرمتها. فإن القبلة قبلة المصلين ووجهتهم، وهي أفضل الجهات. يؤمها المصلون في صلواتهم فرضها ونفلها، وتتوجه قلوبهم نحوها وتحن أفئدتهم إليها، وذلك لفضلها ولشرفها؛ فلما كانت كذلك كان من صيانتها لا تستقبل بالفروج ولا تستدبر بالأدبار، ولكن يجعلها عن يمينه أو عن يساره في بلادنا هذه لا يشرق ولا يغرب. إذا غرب فالقبلة أمامه، وإن شرق فخلفه، ولكن يجعلها عن يمينه فيتوجه إلى الجنوب أو عن شماله يتوجه إلى الشمال. هذا الوضع في هذه البلاد. الوضع في البلاد الغربية كجدة ونحوها أنه يعكس يعني: لا يستقبل المشرق فالقبلة أمامه، ولا يستقبل المغرب فالقبلة خلفه، بل يجنب أو يشمل، الوضع في البلاد الجنوبية كالطائف والباحة ونحوها هو بعكس المدينة يشرق أو يغرب، وهكذا أيضا الوضع في البلاد البعيدة ففي اليمن يشرقون أو يغربون، وفي العراق وفي سوريا كذلك أيضا يشرقون أو يغربون، وفي إفريقيا ونحوها مثلنا لا يشرقون ولا يغربون وهكذا. اختلف هل هذا عام في البنيان وفي الصحراء؟ فالمؤلف قيد ذلك بالصحراء، وقيد ذلك بلا حائل، وقال: إنه يكفي أن يرخي ذيله يعني أن يرخي طرف ثوبه حتى يستر عورته. هكذا رأى وهذا قول كثير من العلماء اجتهادا وجمعا بين الأحاديث ذكرنا حديث سلمان وحديث أبي أيوب في النهي مطلقا، لكن جاءت أحاديث أخرى أصحها حديث ابن عمر { أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على لبنتين مستدبر الكعبة مستقبل الشام يقضي حاجته } فهذا فيه فعله أنه استدبرها، وجاء حديث في السنن عن جابر قال: { كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، فرأيته قبل أن يموت بسنة يستقبلها } وجاء حديث نحوه أيضا عن عائشة وبكل حال هذه أحاديث فيها أنه عليه الصلاة والسلام استقبلها واستدبرها. فكيف الجمع؟ جمع أكثر الفقهاء وبعض المتأخرين كابن بسام في تيسير العلام على أنه يختص المنع بالصحراء والإباحة بالبنيان، فإذا كان في بنيان، أو كان وراء ساتر كجدار يستره عن الكعبة أو كذلك في أصل جبل أو نحو ذلك، فإن له أن يستقبل أو يستدبر في حديث ابن عمر ما رآه إلا بعدما رقى على سطح حفصة فدل على أنه استتر بجدار، وحديث جابر ذكر أنه استتر بناقته أي: جعلها بينه وبين القبلة. فدل على أنه ما فعل ذلك إلا في داخل البنيان، فأباحوا الاستقبال والاستدبار في داخل البنيان، ورجح آخرون أنه لا يجوز لا في البنيان ولا في الصحراء. رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر ذلك صاحب الاختيارات، وفيه أيضا رسائل مجموع الفتاوى، وتبعه على ذلك الشوكاني في نيل الأوطار، ورجح ذلك أيضا صاحب تحفة الأحوذي شرح الترمذي كيف جوابهم عن حديث جابر وابن عمر ؟ يقولون: إن هذا فعل، والفعل يحتمل الخصوص، والأحاديث التي موجهة إلى الأمة قول، والقول توجيه وتعليم للأمة فلا يمكن أنه يُخالف ذلك؛ وذلك لأن كثيرا من الأفعال جاء ما يدل على أنها من الخصائص للنبي صلى الله عليه وسلم خصوصيات، أوردها السيوطي في كتاب مطبوع في خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرها أو أشار إليها البيهقي في السنن الكبرى في أول كتاب النكاح، وتبعه على ذلك كثير من المؤلفين؛ وإن كان كثير منها يحتمل أنه ليس على الخصوص. وبكل حال هذا عذر واعتذروا أيضا؛ بأن هذه الأحوال قد تكون لعذر كعذره لما بال قائما؛ فلذلك رجحوا أنه يبقى الأمر على التحريم. في البنيان وفي الصحراء هكذا الراجح أنه لا تستقبل القبلة مطلقا ولا تستدبر ببول أو غائط، ومن الأدلة أن أبا أيوب فهم العموم يقول أبو أيوب: { فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل } . وجدوا المراحيض المقاعد موجهة مبنية قديما قبل الإسلام وموجهة نحو القبلة الذي يجلس عليها يستقبل القبلة يقول أبو أيوب: فإذا دخلناها ننحرف ننحرف عنها يمنة أو يسرة نحاول ألا نستقبل القبلة، وفي هذا الإرشاد إلى أن الذين يؤسسون المقاعد في الحمامات عليهم أن يلاحظوا عدم توجيهها إلى القبلة حتى لا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها؛ لعموم الأحاديث التي في النهي. هذا وجهة من يقول: لا تستقبل القبلة ولا تستدبر في صحراء ولا في بنيان استدلالا بفعل أبي أيوب وغيره. المؤلف يقول: ويكفي إرخاء ذيله. يقول: ذيله يعني: طرف ثوبه فلو كانت القبلة وراء ظهره فاستتر بأن أرخى ثوبه، أو أرخى مشلحا أو عباءة عليه حتى يستر دبره في حالة جلوسه أن ذلك يكفي، ولكن الحديث عام، يصدق عليه أنه استدبر الكعبة ولو كان قد ستر دبره بثوبه أو نحوه، وكذلك لو استقبلها وستر فرجه بإرخاء ثوب أو نحوه يصدق عليه أنه قد استدبرها. قد استدبر الكعبة أو قد استقبلها. |