بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى يوم الدين أما بعد: فقال العلامة المرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي رحمه الله تعالى: فصل: في صفة الوضوء وهي: أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية إلا ألا يصل البشرة ، ثم يغسل يديه مع مرفقيه ولا يضره وسخ يسير تحت ظفره ونحوه، ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفا والبياض فوق الأذنين منه ويدخل سبابتيه في صماخة أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه مع كعبيه وهما العظمان الناتئان. فصل: في سنن الوضوء وسننه ثماني عشر استقبال القبلة، والسواك، وغسل الكفين ثلاثا، والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما لغير صائم، والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقا، والزيادة في ماء الوجه، وتخليل اللحية الكثيفة، وتخليل الأصابع، وأخذ ماء جديد للأذنين، وتقديم اليمنى على اليسرى، ومجاوزة محل الفرض، والغسلة الثانية والثالثة، واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء، والإتيان بها عند غسل الكفين والنطق بها سرا، وقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله مع رفع بصره إلى السماء بعد فراغه، وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة. باب مسح الخفين. يجوز بشروط سبعة: لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء، وسترهما لمحل الفرض ولو بربطهما، وإمكان المشي بهما عرفا، وثبوتهما بنفسهما، وإباحتهما، وطهارة عينهما، وعدم وصفهما البشرة، فيمسح المقيم والعاصي بسفره من الحدث بعد اللبس يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، فلو مسح في السفر ثم أقام أو في الحضر، ثم سافر أو شك في ابتداء المسح لم يزد على مسح المقيم ويجب مسح أكثر أعلى الخف، ولا يجزئ مسح أسفله وعقبه ولا يسن، ومتى ما حصل ما يوجب الغسل أو ظهر بعض محل الفرض أو انقضت المدة بطل الوضوء. فصل: في المسح على الجبيرة. وصاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة ولم تتجاوز المحل غسل الصحيح ومسح عليها بالماء وأجزأ وإلا وجب مع الغسل أن يتيمم لها، ولو مسح ما لم توضع على طهارة وتتجاوز المحل فيغسل ويمسح ويتيمم. باب: نواقض الوضوء وهي ثمانية: أحدها الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا طاهرا أو نجسا. الثاني خروج النجاسة من بقية البدن، فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا وإن كان غيرهما كالدم والقيء نقض وإن فحش في نفس كل أحد بحسبه، الثالث: زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم ما لم يكن النوم يسيرا عرفا من جالس وقائم، الرابع: مسه بيده لا ظفره فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن، الخامس: لمس بشرة الذكر الأنثى والأنثى الذكر بشهوة من غير حائل ولو كان الملموس ميتا أو عجوزا أو محرما لا لمس من دون سبع سنين ولا لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك، ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه أو الملموس بدنه ولو وجد شهوة. السادس: غسل الميت أو بعضه والغاسل هو من يقلب الميت ويباشره لا من يصب الماء. السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئا فلا نقض ببقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية ورأس ولسان وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم، ولا يحلف بذلك من حلف لا يأكل لحما. الثامن: الردة وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت. فصل: في أحكام المحدث. ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن، ويحرم على المحدث الصلاة والطواف ومس المصحف ببشرته بلا حائل، ويزيد من عليه غسل بقراءة القرآن واللبث في المسجد بلا وضوء. باب: ما يوجب الغسل. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. الفصل الأول يتعلق بصفة الوضوء يعني: الكيفية المجزئة في الوضوء أو الصفة الكاملة، الصفة المجزئة ذكرها في الفصل الأول والكاملة ذكرها في الفصل الثاني وهو أن يأتي بسننه، وقد تقدمت فروض الوضوء وهذه صفته أولها: النية وتقدم أن محلها القلب وأنه يكفي أن يعزم بقلبه على أن يفعل العبادة ويأتي بها يكون عازما بقلبه ويكفي ذلك. الثاني: التسمية وتقدم محلها. الثالث: غسل اليدين، فغسل الكفين سنة وذلك لأنهما الآلة التي يتناول بهما الماء الكف في الأصل يحمل به الماء. فإذا تناوله فلا بد أن يكون الكف نظيفا؛ لأنه يغترف به، ثم يغسل به وجهه فإذا كان الكف ملوثا أو فيه وسخ تغير الماء أو اتسخ فلذلك ينظف الكفين. الرابع: المضمضة والاستنشاق وتقدم حكمهما وأن الأصل وجوبهما تبعا للوجه، وأنه فلا بد أن يكون المضمضة والاستنشاق مع الوجه قبله أو بعده؛ وذلك لأنه لا بد من تنظيف الفم والأنف كما تقدم. الخامس: غسل الوجه. ذكرنا أن الوجه ما تحصل به المواجهة حده طولا من منابت شعر الرأس المعتاد؛ بخلاف بعض الناس إذا انحسر رأسه هو الذى في رأسه صلع فيغسل من منتهى الجبهة أي من منابت الشعر في أغلب الناس، ولا يلزمه أن يغسل ما انحسر عن الشعر من مقدم الرأس نهاية الوجه الذقن. الذقن هو أسفل الوجه يعني: مجمع اللحيين أسفل الوجه يسمى ذقنا سواء فيه شعر أو ليس فيه شعر؛ لقول الله تعالى: { يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } أي: جهة الأذقان الذقن هو أسفل الوجه فهذا منتهاه، وأما عرضا فذكرنا أنه إلى منبت الأذنين يعني يغسل إلى منبت الأذن فيغسل الخدين ويغسل الشعر الذي فيهما، يقول هنا: ولا يجزي غسل ظاهر شعر اللحية، إذا كان الشعر لا يستر البشرة يعني: يمكن أن ترى الجلد من وراء الشعر ولو بعضه فلا بد من غسل الشعر وغسل البشرة التي تحت الشعر، وأما إذا كان الشعر كثيفا فإنه يكتفى بغسل ظاهره؛ لأنه الذي تحصل به المباشرة والمقابلة والمواجهة، فأنت إذا غسلت وجهك فإنما تغسل هذا الشعر الذي يقابل الناظر إليك، بخلاف ما إذا كان الشعر خفيفا فلا بد من غسل ظاهره وباطنه. كذلك بعد غسل الوجه يغسل يديه مع المرفقين يبدأ من رؤوس الأصابع، ثم يغسل الكف والذراع ويغسل المرفقين المرفق هو المفصل الذي بين الذراع والعضد. جاء في حديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه } دل على أنهما داخلان في الغسل. يقول: ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه، لا يخلو كثير من الناس أن يوجد تحت أظافرهم شيء من الوسخ اليسير، ولو أمر بأن يتعاهد أظفاره كل صلاة لشق ذلك عليهم. فالوسخ اليسير التي تحت الظفر يعفى عنه، وكذا لو كان هناك وسخ في البراجم الذي هو عقد الأصابع ونحوها السنة أن يغسل البراجم وينظفها عقد الأصابع وعقد الكف، وإذا كان فيها وسخ يسير لا يزيله مثلا إلا صابون أو دلك قوي عفي عنه، بعد ذلك بعد غسله اليدين يمسح الرأس جميع رأسه وحده من منابت الشعر إلى ما يسمى بالقفا؛ يمسحه كله ويمسح البياض الذي فوق الأذنين، والأذنان من الرأس، البياض الذي بين الشعر وبين الأذن الذي ليس فيه شعر هذا أيضا داخل في الرأس فيمسحه يعني: المسح لمنابت الشعر من مقدمه إلى مؤخره إلى نهاية منابت الشعر الذي في القفا، وكذلك جانبي الرأس والأذنان والبياض الذي بين الأذن وبين الشعر والأذنان من الرأس. ذكرنا أن القول الصحيح تعميم الرأس أنه لا بد أن يعم رأسه بالمسح ولا يجزي بعضه كما يقول الشافعية والحنفية. الأدلة جاءت بتعميمه في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: { مسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بدأ بمقدم رأسه فذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه } . فدل على أنه عمم رأسه وذكرنا أن الباء في قوله: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } أنها باء الإلصاق أي: ألصقوا المسح برءوسكم وليست للتبعيض كما يقول الشافعية، يمسح أذنيه فيدخل سبابتيه في صماخي أذنيه. الصماخ هو خرق الأذن يدخل السبابة في خرق الأذن، وأما الإبهام فيمسح به ظاهر الأذن. يمسح ظاهرهما ولا يلزمه أن يمسح الغضاريف يعني: غضاريف الأذن الداخلة في تتبعها مشقة فيكفي إدخال إصبعه في صماخ الأذن ثم مسح ظاهرهما، وذكرنا أن الأولى أنه يغسل ما أقبل منهما مع الوجه. إذا غسل وجهه وخديه يمر يديه وهما رطبة على ما أقبل من الأذن دون أن يدخل الماء في الأذن ودون أن يغسل غضاريف الأذن الداخلة إلا في الاغتسال. الاغتسال لا بد أنه يغسل غضاريف الأذن ظاهرها وباطنها إلا إنه لا يلزمه أن يغسل الداخل، كما لا يلزمه أيضا أن يفرك عينيه يعني أن يغسل داخل عينيه بل يكفي أنه يأتيهما الماء. ذكروا أن ابن عمر رضي الله عنهما كان عنده شيء من الاحتياط، فكان إذا غسل وجهه غسل عينيه يعني: دلك العين أي: الحدقة دلكها بإصبعه، واستمر على ذلك مما كان سببا لأن فقد بصره في آخر عمره قالوا: سببه دلك بياض العين وسوادها بإصبعه وهذا ليس بواجب. يقول: آخر شيء يغسل رجليه مع الكعبين الكعبان هما العظمان الناتئان، في كل رجل كعبان كعب داخل وكعب خارج، ومنتهى الكعب مستدق الساق. يعني: الكعب ينتهي بمستدق الساق، فالكعبان داخلان في الغسل هذه صفة الوضوء. |