............................................................................... ذكروا سنن الوضوء ثمانية عشر، وإن كان أكثرها ذكروه بالاجتهاد. الأول: استقبال القبلة في حالة الوضوء إذا تيسر أن يكون مستقبلا القبلة؛ لأنها أشرف الجهات. الثاني: السواك تقدم حديث { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أو مع كل وضوء } . الثالث: غسل الكفين ثلاثا، إذا كان قائما من نوم الليل فغسلهما واجب وإن كان تعبدا، وأما إذا لم يكن قائما من نوم الليل فغسلهما سنة وليس بواجب والحكمة تنظيفهما؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما. الرابع: تقديم المضمضة والاستنشاق أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل الوجه، ومع ذلك لو أخرهما بعد الوجه أو جعلهما في أثناء غسل الوجه حصل المقصود ولكن يفضل التقديم. الخامس: المبالغة في المضمضة والاستنشاق وذلك بأن يحرك الماء في فمه ويدلك أصابعه بسبابته، والمبالغة في الاستنشاق أن يجتذبه بقوة النفس، ثم بعد ذلك يخرجه بقوة النفس، يسمى هذا استنشاق. نشق الشيء يعني: اجتذبه بالنفس قوة نفسه الذي يدخله والنفس يخرج. المنخران طريق النفس يتنفس منهما في الأصل من الأنف ومن الفم. يستحبون التنفس من الأنف، ولكن الإنسان إذا كان فتح فمه فلا بد أن يجتذب النفس بفمه، فإذا أغلق فمه فإنه يجتذب النفس بأنفه؛ لأن المنخرين دائما مفتوحين غالبا، فالمبالغة فيهما يعني: الدلك ونحوه استثنوا الصائم ذكرنا حديث لقيط بن صبرة وفيه: { وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } مخافة أنه يصل الماء إلى داخل جوفه مع المنخرين، وكذلك مع المضمضة. السادس: المبالغة في سائر الأعضاء مطلقا جاء في الحديث: { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره } يعني أن ذلك من جملة ما يرفع الله به الخطايا. الإسباغ المبالغة في غسل الوجه والمبالغة في غسل اليد والرجل ونحو ذلك. السابع: الزيادة في غسل الوجه يعني زيادة الدلك؛ وذلك لأن الوجه فيه غضون تحتاج إلى مبالغة ففيه الشعر مثلا وفيه الأجفان وفيه الخدان وفيه الذقن فهو بحاجة إلى أن يزيد فيه. يغترف غرفة بيده ثم يضيفها إلى يده اليسرى، ثم يصبها على وجهه ثم يدلكه ويزيد في ماء الوجه أكثر من غيره. الثامن: تخليل اللحية الكثيفة، التخليل هو أن يدخل أصابعه في داخل اللحية حتى يغسل داخل الشعر ويغسل البشرة ليكون بذلك تحقق من غسل جميع الشعر هذا من السنن. ذكرنا أنها إذا كانت كثيفة أجزأ غسل الظاهر، ولكن الأفضل غسل ظاهرها وباطنها. التاسع: تخليل الأصابع وتخليل أصابع اليدين إدخال بعضها في بعض، وتخليل أصابع الرجلين إدخال أصابع اليدين بين كل إصبعين؛ حتى يتحقق من وصول الماء إلى ما بين الأصبعين يعني: أصابع الرجلين غالبا أنها متلاصقة فتحتاج إلى أن يخللها. العاشر: أخذ ماء جديد للأذنين إذا مسح رأسه فإنه يبل يديه ويمسح بهما أذنيه. هكذا اختاروا. من العلماء من روى ذلك في حديث ولكن ذكر الحافظ في البلوغ أن الحديث المروي إنما فيه أنه { لما غسل يديه وبقي فيهما بلل أخذ ماء جديدا لرأسه غير البلل الذي بعد يديه } وأن رواية { أنه أخذ ماء جديدا لأذنيه } غير ثابتة ولكن قالوا: الأذنان عضو مستقل، ولو كانت تابعة للرأس فيندب أن يجدد لهما وضوء يبل أصابعه ويمسح أذنيه الأصابع الأربعة مثلا الإبهام والسبابة. يكفي أن يبلهما. الحادي عشر: التيامن أن يقدم غسل اليد اليمنى على اليسرى والرجل اليمنى على اليسرى، وذلك لحديث عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله } فمن ذلك طهوره يعني: وضوءه وغسله، ففي الوضوء يغسل اليد اليمنى قبل اليسرى والرجل اليمنى قبل اليسرى، وفي الاغتسال يغسل الجانب والشق الأيمن قبل الأيسر.وفي حديث تغسيل الميت: { ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها } واليمين لها أهمية فتقدم اليمين؛ لأنها مشتقة من اليمن الذي هو الخير والبركة. الثاني عشر: مجاوزة محل الفرض. في هذا خلاف روي عن أبي هريرة أنه توضأ مرة فلما غسل يده رفع إلى العضد ولما غسل رجليه رفع إلى الساق، ثم استدل بحديث: { تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء } الحلية الزينة التي يحلى بها أهل الجنة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } فيكون هذا مرغِّبا في مجاوزة محل الفرض، واستدل أيضا بحديث: { إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين } يعني: الغرة بياض الوجه والتحجيل بياض الأيدي والأرجل في بعض الروايات: { فمن استطاع أن يطيل غرته } في رواية: { وتحجيله فليفعل } لكن إذا قلنا: إن الغرة هي الوجه فالوجه لا يمكن الزيادة فيه؛ لأنه يحده الرأس من هنا، وتحده الذقن من هنا والعنق ليس محلا للغسل وليس أيضا محلا للمسح . وما ذكر عن الزيدية أنهم يمسحون العنق، ورووا فيه حديثا: { مسح العنق أمان من الغل } وأشار إلى ذلك الشوكاني في النيل، فالأحاديث التي فيه ضعيفة ليس هناك حديث يدل على مسح العنق، فالوجه مخصوص محدد لا يمكن أن يزاد فيه ورواية: { من استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله } الصحيح أنها موقوفة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي هريرة اجتهاد منه حيث غسل نصف العضد وغسل نصف الساق اجتهادا منه وكأنه يقول: إن هذا زيادة في التحجيل . إن الإنسان إذا كانت مثلا ذراعه فيها هذا النور، فكذلك عضده أو عضداه وكذلك ساقاه؛ ولذلك لما لم يثبت فيه الحديث الذي فيه: { فمن استطاع } إلى آخره لم يستحب ذلك شيخ الإسلام، شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ذكروا أنه لا يشرع الزيادة على المفروض معنى أنه يقتصد على غسل المفروض بما في ذلك المرفق والكعب وما أشبه ذلك . فأما الزيادة فلم يثبت فيها دليل إلا من فعل أبي هريرة وهو اجتهاد منه، وعلى هذا من زاد فغسل العضد أو غسل الساق فهو مجتهد وله حظ من الاجتهاد وله سلف ومن لم يزد فله سلف. الثالثة عشر: الغسلة الثانية والثالثة يعني: تكرار غسل كل عضو الغسلة الواحدة ترفع الحدث والغسلتان أفضل من الغسلة؛ لأنها أدل على التنظيف وثلاث غسلات أفضل من الغسلتين؛ لأنها أدل على التنظيف، وهي أيضا من أسباب النشاط ومن أسباب القوة؛ فلذلك يندب أنه يغسل ثلاثا . إن اقتصر على واحدة أجزأ، وإن غسلها اثنتين فهو أفضل والثلاث هي النهاية. ولا يجوز الزيادة على الثلاث يعتبر ذلك إسرافا وإفسادا ووسوسة وينصح الذين يبالغون، وذلك لأن هذه الزيادة والادعاء بأن هذا هو الإسباغ إنما هو تشدد وتحكم فلا جرم. الأولى الاقتصار على الثلاث بدون زيادة. الغسلة هي التي تعم الوجه فلو غرف غرفة وغسل بها نصف الوجه ثم غرفة ثانية وغسل بها أسفل الوجه، فهذه غسلة ولو كانت بغرفتين، ثم إذا غرف غرفة ثالثة، ثم غسل الوجه فهذه غسلة ثانية، وهكذا لو غرف غرفة وغسل بها كفه ونصف الذراع، ثم غرف غرفة أخرى وغسل بها بقية الذراع فهذه غسلة واحدة بغرفتين. وهكذا أيضا الرجل لو غرف غرفة وغسل بها الأصابع وخللها، ثم غرف غرفة ثانية وغسل بها أخمص القدم، ثم غرف غرفة ثالثة وغسل بها الكعبين والعراقيب والعقب فهذه غسلة واحدة بثلاث غرفات فليست الغرفة هي الغسلة. الغسلة هي التي تعم العضو، فإذا عم العضو كله صدق عليه أنها غسلة واحدة سواء بغرفة أو بغرفات. هذه الرابعة عشر: استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء. هذا أيضا يظهر أنه لا دليل عليه؛ وذلك لأن النية هي العزم الذي يدفع المسلم على أن يفعل العبادة . فكوننا نقول له: اجعل النية في قلبك واجعلها على طرف لسانك دائما من حين تبدأ في الصلاة إلى أن تنتهي، أو من حين تبدأ في الوضوء إلى أن تنتهي. هذا قد يكون فيه مشقة؛ لأن النية موجودة ولأنه قد يحدث نفسه بأشياء تعرض له، فلو ألزم باستصحاب ذكر النية لكان عليه مشقة، وإنما يكفيه استصحاب حكمها . وإذا قلت: ما الفرق بين استصحاب ذكرها واستصحاب حكمها؟ يقولون: استصحاب ذكرها أن تكون النية على قلبك على بالك، وأما استصحاب حكمها فهو أن تكون عازما على إتمام الوضوء أو إتمام الصلاة لا تنوي قطعها، فإذا نويت قطعها بطلت الطهارة أو بطلت الصلاة. الخامس عشر: استحبوا الإتيان بها عند غسل الكفين، وهذا أيضا لا حاجة إليه؛ وذلك لأن النية موجودة معه من حين يعزم على الوضوء ومن حين يدخل الوقت وهو عازم على أنه سوف يتوضأ، فالنية موجودة فلا حاجة إلى أن نقول له: اذكرها في كذا. ذكروا السادس عشر النطق بها سرا. الصحيح ما ذكره العلماء أن التلفظ بها بدعة سواء سرا أو جهرا، والذي حمل الفقهاء أنهم يقرأون في كتب الشافعية والشافعية يشددون في أمر النية. يتلفظون بها عند الوضوء وعند الصلاة وعند الطهارة من الغسل والتيمم وما أشبه ذلك . فكأنهم قالوا: كل مسألة نجدها في كتب الشافعية، وقد جعلوا لها حكما فإننا نأخذها ونجعل لها حكما في مذهبنا، ولو لم يكن ذلك واردا ما ورد ذلك، بل ورد ما يدل على النهي عنه سئل الإمام أحمد عن التلفظ بالنية قبل الصلاة فقال: لم يرد ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه. فعلى هذا لا يجوز ولا يسن النطق بها سرا لا في صلاة ولا في طهارة ولا في تيمم؛ إلا الحج والعمرة أن يقول: لبيك حجا. اللهم لبيك عمرة أو ما أشبه ذلك. ذكروا بعد ذلك السابع عشر: الدعاء بعد الطهارة. ورد في حديث عن عمر وفي غيره { أن المسلم إذا تطهر رفع بصره إلى السماء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم إذا قاله يقول: طبع عليها بطابع فلا تفتح إلا مع أعماله } ويكون ذلك من الذكر أو من الذكر الذي فيه أجر وفيه فضيلة . هكذا روي أنه يقول مع ذلك: { اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من ورثة جنة النعيم } رواية من التوابين المتطهرين أخذت من القرآن: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } فلا مانع، وذلك لأن المقام مقام دعاء يعني: الإنسان بعد كل طاعة عليه أن يدعو الله بما يتيسر له. الثامن عشر: أن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاون، وذلك هو الأمر المعتاد. إذا احتاج إلى معاون ليصب عليه الماء لانشغال أو نحوه فلا بأس كما في حديث المغيرة في غزوة تبوك. ذكر أنه كان يعاون النبي صلى الله عليه وسلم. يصب عليه الماء من الإداوة، والنبى صلى الله عليه وسلم يتلقف الماء ويغسل به وجهه ويغسل به أعضاءه فدل على أنه يجوز المساعدة عند الحاجة وإلا، فالأفضل والعادة أن كل متوضئ يتولى ذلك بنفسه يغترف من الإناء أو يتلقاه من الصباب أو ما أشبه ذلك. |