بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين: نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمنا الله تعالى وإياه- وأما إن وأخواتها، فإنها تنصب الاسم، وترفع الخبر، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، وليت، ولعل. تقول: إن زيدا قائم، وليت عمرا شاخص، وما أشبه ذلك. ومعنى إن وأن للتوكيد، ولكن: للاستدراك، وكأن للتشبيه، وليت للتمني، ولعل للترجي والتوقع، وأما ظننت وأخواتها فإنها تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان لها، وهي: ظننت، وحسبت، وخلت، وزعمت، ورأيت، وعلمت، ووجدت، واتخذت، وجعلت، وسمعت، تقول: ظننت زيدًا منطلقا، وخلت عمرا شاخصا وما أشبه ذلك. هذه النواسخ التي تنسخ المبتدأ والخبر، أو تعمل فيه. تقدم كان وأخواتها أنها نسخت الخبر فانتصب، وأما إن وأخواتها فإنها نسخت المبتدأ، فَنُصِبَ، وأما الخبر: فبقي على رفعه. ذكرنا أن بعض العلماء يقول: إنها نسخت الاسمين: المبتدأ نسخته وصار منصوبا، والخبر رفعته. ومنهم من يقول: بل هو باقٍ على رفعه، وإنما عملها في الأول. فالذين يقولون إنها عملت في الاثنين سموها ناسخة للاثنين: ناسخة للمبتدأ والخبر. فعملت في هذا نصبا، وعملت في هذا رفعا، فالرفع الذي في الخبر عمل جديد، ليس هو الرفع القديم. هكذا قالوا، ولا أهمية لهذا الخلاف، فنحن نقول: إنه مرفوع، سواء كان رفع القديم عندما كان مبتدأ، أو رفع جديد بهذا العامل الجديد. هذه العوامل ست: إن، وأن، ولكن، وكأن، وليت، ولعل. ستة، وهي حروف، فيسمى إن وأن: حرف توكيد؛ لأنه يؤكد الكلام، ويقويه، فإن الكلام الذي تدخل عليه أقوى من الكلام الذي لا تدخل عليه. إذا سمعت رجلا يقول: الوقت دخل، وآخر يقول: إن الوقت داخل. هذا الذي قال: إن الوقت داخل، كلامه آكد، وكلامه أقوى؛ ولذلك دخلت أن على الشهادة. إذا قلت مثلا: أشهد أنَّ محمدا رسول الله، فهو أقوى من أن تقول: محمد رسول الله؛ وذلك لأن هذا الحرف زاد الكلام قوة، فالذي يسمع ذلك يثق بهذه الشهادة ويعتمدها، ويرى أنها قَوَّتِ الكلام وأكدته. فهذا من حيث معنى الكلمة. يقول العلماء - علماء النحو - " إن وأن " -هنا- حرف واحد، إن وأن حرف واحد ولكن أحيانا تكسر الهمزة، وأحيانا تفتح، يقول ابن مالك : وهمز إن افتح لسـد مصدر مسدها.......................... يعني: إذا كان المصدر يسد مسدها، فإنها تفتح، ومعنى ذلك أنه إذا صلح أن تأتي بجملة مصدرية تقوم مقامها فإنها مفتوحة. قولنا مثلا: أشهد أن محمدا رسول الله، إذا قلت مثلا: أشهد برسالة محمد لكان هذا مؤديا للمعنى؛ لأنه سد مسدها هذا المصدر: رسالة، أو إرسال، إرسال محمد وإذا قلت مثلا: يعجبني أنك قائم، أو أنك حافظ، الهمزة مفتوحة- أنك- لأنه يقوم مقامها المصدر، التقدير: يعجبني حفظك، يعجبني قيامك، يعجبني علمك، بدل ما تقول: أنك عالم، أو أنك حافظ، أو أنك حاضر، تأتي بمصدر. أما الكسر فإنه في مواضع: مثل الابتداء. إذا ابتدأت بالكلام فإنك تقتصر على الكسر، فتقول: إن الصلاة مكتوبة، إن المسجد واسع، مبتدأ، وتقول: إن خالدا حاضر، أو حافظ. في هذه الحال لا بد أن تكون إن مكسورة، وقد أطال علماء النحو في المواضع التي تكسر فيها، في قول ابن مالك : فاكسر في الابتدا وفي بدء صلة وحيث إن ليميـــنٍ مكملــة أو حكيت بالقول أو حـلت محل حال كزرتـه وإنـي ذو أمــل وغير ذلك من المواضع. والحاصل أن هذين الحرفين لتأكيد الكلام وتقويته، فإذا دخلت إن على المبتدأ نصبته، والخبر يصير مرفوعا، وإذا كان منصوبا فإنه يصير صفة للمبتدأ. ذكروا أن بعض العرب سمع مؤذنا يقول: أشهدُ أن محمدًا رسولَ اللهِ ! فأنكر ذلك وقال: بماذا شهدت؟ ما شهادتك؟ لم تأتِ بما شهدتَ بهِ؛ لأنه لما قال رسول الله كان رسول بدلا من " محمدا " والخبر ما أتى، والخبر الجزء المتم الفائدة ما أتى به، بخلاف ما إذا قال: أشهد أن محمدا رسولُ الله، فينبه المؤذن. كثير من المؤذنين يغلطون في هذه الشهادة، فيقول كثير منهم: أشهد أن محمدا رسولَ الله، وبالأخص العامة. إن هذا ما أتى بالشهادة المطلوبة، التي هي إثبات الرسالة. فإذن تقول: أشهد: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم. أن: حرف توكيد ونصب، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. محمدا اسم أن منصوب بأن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. رسول: خبر أن مرفوع وعلامة رفعه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف، والاسم الكريم مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره كسر الهاء تأدبا. ويقال كذلك فيما إذا قلت مثلا: يعجبني أن زيدًا حاضرٌ. وكذلك المبتدأ، يعني الابتداء بإن، إذا قلت: إن المسجد واسع، وإن الكتاب حاضر. إن: حرف توكيد ونصب، تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والمسجد اسمها منصوب، وواسع خبرها مرفوع. وأما لكنَّ: فإنها إذا شُدِّدَتِ النون عملت في المبتدأ والخبر كعمل إن، وإن سُكِّنت النون لم تعمل، وهي حرف استدراك، سواء قلت: لكنْ أو لكنَّ، فإذا قلت مثلا: زيدٌ كثيرُ اللحن، لكنَّ خالدا مستقيم اللسان، فالأول: مبتدأ وخبر، زيد كثير: مبتدأ وخبر، لكنَّ: حرف استدراك، كأنك استدركت على الكلام الأول. وكذلك لو كان الكلام جمعا، لو قلت مثلا: هؤلاء الأولاد غافلون، لكنَّ خالدا منتبه. فهذا الذي استدركت، كأن الكلام كان عاما، فاستدركت باستثنائك خالدا، وأدخلت عليه لكن، فعملت، فَنُصِبَ اسمها، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على أنه اسم لكن، وخبرها مرفوع، ( منتبه): خبر مرفوع على أنه خبر لكن. فهي حرف استدراك، يعني تَعَقُّبٌ للكلام الأول. وأما كأن: فإنها للتشبيه، تشبيه شيء بشيء لمقاربة بينهما، ورد في الحديث: { كأن وجهه قمر } في صفة النبي صلى الله عليه وسلم. يُسْأَلُ أنس هل كأن وجهه سيف؟ فقال: كأن وجهه القمر. فكأن: للتشبيه، والوجه اسم كأن منصوب، والضمير مضاف إليه، والقمر مرفوع على أنه خبر كأن. وأما: ليت، فإنها للتمني، الذي يتمنى شيئا ممكنا، أو غير ممكن، فإنه يأتي بحرف ليت. فيقول مثلا: ليت المال حلال، وليت العلم ميسر، وليت المسجد واسع- يتمنى- فيكون هذا الحرف عاملا في المبتدأ والخبر. فإذا قلت مثلا: ليت زيدا حاضر، قلت: ليت حرف تمن، يعمل عمل إن: ينصب المبتدأ، ويرفع الخبر، وقلت في: زيدا: اسمها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. حاضر: خبرها، وكذلك لعل، ذَكَر أنها للترجي، والتوقع. الترجي يعني: الرجاء، تقول مثلا: لعل المطر نازلٌ.. هذا للترجي. أو إذا قلت مثلا: لعل الأمير قادم؛ هذا للتوقع؛ يعني يتوقع قدومه، وإعرابها كما تقدم أن: لعل حرف ترج وتوقع، وأن الأمير اسمها، قادم خبرها. |