يقول المؤلف: ومن كلام الله تعالى القرآن العظيم؛ وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم؛ تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود؛ أي أن القرآن من كلام الله تعالى الذي بين أيدينا الذي في المصاحف؛ والذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فإنه من كلام الله؛ والدليل على ذلك قول الله تعالى: { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ } يسمعون كلام الله الذي يسمعونه هو القرآن. وكذلك قال تعالى: { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } معلوم أن الذي يسمعه هو هذه الآيات في هذا القرآن حتى يسمع كلام الله منك أو من غيرك يا محمد ممن يقرؤه فيسمعه كلام الله؛ وليس المعنى أنه يسمعه من الله وإنما يسمعه من الذين يقرءونه فإن القرآن إذا قرأ لم يخرج عن كونه كلام الله؛ وكذلك قول الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ } { قَالَ اللَّهُ } القول لا يكون إلا كلاما { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } –يعني- قوله تعالى: { فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } –يعني- منعهم فهم يقولون ذرونا نتبعكم. فقال الله تعالى: { فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا } فأخبر بأنهم في قولهم { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } دل على أن الله تعالى تكلم بكلام مسموع؛ وأن من كلامه هذه الآية { لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } وتجدونها صريحة في القرآن لفظة (قال) { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ } { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ } { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } نسبة القول إلى الله هي الكلام القول هو الكلام. ومن زعم أن الفعل يسمى قولا فقد خالف المعقول والمنقول؛ وإن كانوا قد حرفوا بعض الدلالات وقالوا: إن العرب تقول: قال الجدار كذا يعني مال؛ وهذا لم ينقل ولم يثبت أن الجماد يقول. فالحاصل أن الله تعالى أثبت لنفسه أنه يقول: قال تعالى: { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } يقول الحق ثم القرآن هو كلام الله تعالى سماه قرآنا عظيما { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ } فهو قرآن كريم وقرآن عظيم وهو كتاب الله المبين سماه الله تعالى كتابا في قوله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } وفي قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } . (يتلى) يعني يقرأ عليهم أي هذا القرآن سماه كتابا وذلك لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ؛ ولأنه كتب في العهد النبوي كانوا يكتبون كلما نزلت آية وكتب بعد ذلك في المصاحف فهو كتاب؛ كتاب الله المبين وصفه الله تعالى بأنه مبين أي بين ووصفه ببيان في قوله تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } (البيان) يعني الذي يبين الأدلة ويوضحها فهو بيان وهو مبين. ووصفه بأنه (حبله المتين) في قوله تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا } فسر بأنه القرآن أي تمسكوا بحبل الله جميعا؛ ووصفه بأنه (الصراط المستقيم) في قوله تعالى: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ } فسر بأنه القرآن أي هذا القرآن صراط الله وفسر قوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } بأنه القرآن أي ثبتنا على القرآن. وأخبر الله تعالى بأنه { تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } في قوله تعالى: { فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُون وَمَا لَا تُبْصِرُون إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُون وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وكذلك في قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } –يعني- هذا القرآن تنزيل الله –يعني- أنزله الله تعالى وهو رب العالمين { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } أي الملك المأمون لأن (الملك) روح ليس له جسد محسوس ولذلك لا يراه الناس إلا إذا تمثل في صورة إنسان وإلا فإنه روح وسماه الله تعالى أمين أي مأمون في قول الله تعالى: { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } . لما ذكر أن هذا القرآن من الله تعالى أخبر بأنه { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } في سورة الشعراء { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } ؛ ثم ذكر أنه { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } أي فصيح ليفهمه المخاطبون جعله الله تعالى { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } وقال: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } أيرسل نبي عربي إلى العرب ويكون القرآن الذي أنزل عليه أعجميا كيف يفهم؟ فجعله الله تعالى عربيا. وقال تعالى: { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } ؛ ثم ذكر أن القرآن منزل غير مخلوق منزل من الله تعالى قال تعالى: { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يعني هذا القرآن { حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } فهو منزل من الله تعالى غير مخلوق لا يجوز الاعتقاد بأنه مخلوق فإنه صفة من صفات الله؛ وكلام الله تعالى صفة من صفاته فلا يجوز أن يقال إنه مخلوق؛ ذكروا أنه من علم الله تعالى وعلم الله لا يوصف بأنه مخلوق. |