بعد ذلك ذكر المؤلف رحمه الله مسألة الرؤية أن المؤمنين يَرون الله تعالى في الآخرة بأبصارهم، رؤية حقيقية بالأبصار يرونه بأبصارهم وفي الجنة يزورونه، ويكلمهم بكلام يسمعونه، ويكلمونه استدل على ذلك بهذه الآيات قال الله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } كُتِبت الكلمة الأولى بالضاد معناه أنها ناضرة يعني مشرقة؛ النضرة هي البهاء والجمال قال تعالى: { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً } أي بهاء وجمالا وسرورا { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } كتبت بالظاء أي تنظر إلى ربها عِيانا. واستدل أيضا بقول الله تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } وهم الكفار يقول تعالى: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي ذنوبهم طمست قلوبهم كلا إنهم عن ربهم يومئذ يعني في الآخرة لمحجوبون ممنوعون أن يروه. يقول: لما حجب أولئك وهم الكفار في حال السخط، دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا أنهم لا يكونون محجوبين، وإلا لم يكن بينهما فرق لو كان المؤمنون لا يرونه لكانوا أيضا محجوبين عن رؤيته، فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته } . وكان في ليلة أربعة عشر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته } أي لا يلحقكم ضيم يعني: ضرر، وفي رواية لا تضامون يعني: لا ينضم بعضكم إلى بعض بل ترونه في أماكنكم لا تُضامون في رؤيته. قوله: كما ترون هذا القمر، يقول: شبَّه الرؤية بالرؤية يعني ترونه رؤية حقيقية، وليس تشبيها للمرئي بالمرئي يعني: ليس تشبيها لله تعالى بالقمر، فإن الله تعالى لا شبيه له، ولا نظير له، لقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } فهذا الفصل يتعلق ... وذلك لضعف البشر عن أن يثبت أمام رؤية الله تعالى وأمام النظر إليه فهذا هو القول الصحيح ذهب بعض الصوفية ونحوهم إلى إمكان رؤيتهم لله، ويقولون: إن الأبدال يرون الله أو أن النجباء والنقباء يمكنهم أن يرون ربهم في الدنيا، فخالفوا بذلك ما دلت عليه الأدلة ..وذهب بعض السلف. روى عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء } وجعل ذلك من خصائصه والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه لما أسري به وذلك لما في صحيح مسلم عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله { هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه } وفي رواية: رأيت نورًا أي كيف أراه، وكيف أتمكن إنما رأيت نورًا، وهذا النور هو الذي يحتجب الله تعالى به. ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في صفة ربه { حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } . فجعل أو أخبر بأن لله تعالى حجابا، أنه احتجب بهذا النور، وأنه لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه؛ في الحديث { أن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل حجابه النور } فإذا كان كذلك، فإن البشر لا يتمكنون من رؤية الله في الدنيا. وكذلك ذكرنا أن موسى لم يتمكن من رؤية الله لما اندك الجبل صَعِق موسى وقال: لما صعِق موسى في رؤيته للجبل خرَّ موسى صعِقا، ثم قال: { سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } بعظمتك، وأن البشر لا يقدرون على أن يصلوا إلى معرفتك، وما يقوى رؤيتك معرفة كيفية ذاتك رؤيتك، ولذلك صعق فدل على أنه لا يمكن أن يراه أحد في الدنيا. وأما في الدار الآخرة فإن الله تعالى يقوي المؤمنين، ويتمكنون من رؤيته وأما الكفار فإن الله تعالى ذكر أنهم محجوبون عن ربهم لا يمكن أن يروه وأن حجابهم يُعتبر عذابًا لهم. لكن قد ورد حديثً يُفهم منه أنهم قد يرونه في الآخرة في عرصات القيامة، وردت أحاديث كثيرة في أن الله تعالى يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده. فذكر في الحديث حديث الشفاعة يقول: إذا جاءوا إليه صلى الله عليه وسلم { يقول فأذهب فأدخل على ربي فإذا رأيته خررت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل تُسمع وسل تُعط واشفع تشفع } . فأفاد بأنه يرى ربه في الآخرة، فإذا رأيت ربي وفي حديث آخر ذكر { أنه في يوم القيامة يُقال: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير الذي يعرفون فيقولوا: أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيكشف عن ساق فيخر من كان يسجد لله طوعا واختيارا، وأما الذين لا يسجدون طوعا واختيار، فإنهم يمنعون من السجود كلما أراد أحد أن يسجد خر على قفاه } . ثم يُعطون أنوارا يسيرون بها فإذا ساروا قليلا انطفأ نور المنافقين فيُقال لهم ارجعوا إذا قالوا { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } ينادونهم يعني أن المنافقين ينادون أهل الجنة { أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى } . ففي هذا أنهم يرون الله يعني المنافقون والمؤمنون في عرصات القيامة، ولعل ذلك رؤية خاصة ليست هي الرؤية التي تكون في الجنة، يعني: أنها رؤية خاصة، وإذا كان كذلك، فإن الكلام على الرؤية في الجنة، والذي ورد فيه الأدلة وذكر العلماء عليه الأدلة الواضحة التي تدل على أن القرآن كلام الله على أن القرآن الذي هو كلام الله قد أوضح الدلالة، وبينها فلم يبقَ شبهة. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى نحو سبع آيات من القرآن تدل على إثبات الرؤية، وبين دلالتها، وبدأها بقصة موسى وذلك لأن المعتزلة ينكرون رؤية الله حقيقة فيقولون: لا يمكن أن يرى لأنهم في زعمهم أن الله تعالى ليس في جهة فلذلك يقولون: يلزم من إثبات الرؤية الجهة، فيلزم أن يكون في حيز إلى آخر ما يعبرون به، فأنكروا رؤية الله تعالى في الآخرة وبالغوا في إنكارها. وأما الأشاعرة فلما كانوا يتظاهرون بأنهم من أهل السنة وأنهم على معتقد أو على مذهب الأئمة لم يجدوا بُدًا من الاعتراف برؤية الله تعالى، ولكن لم يثبتوا رؤية حقيقية، وإنما جعلوا الرؤية مكاشفات يعني: أنهم يكشف لهم عن قلوبهم مكاشفات يكون من آثارها كأنهم يرون الله تعالى، فينكرون الرؤية البصرية التي هي رؤية الله تعالى بأبصارهم، فإن ذلك في زعمهم محال؛ لأنه يستلزم خلاف ما يعتقدونه من أن الله تعالى ليس في جهة كما يعبرون؛ فاتفقوا مع المعتزلة على نفي الرؤية حقيقية، وأثبتوا رؤية خيالية. وبعد ذلك المعتزلة لا بد أن لهم شبهات يشبهون بها على من يكون معهم على هذا المعتقد. ذكروا من أدلتهم هذه القصة عن موسى لما قال الله له { لَنْ تَرَانِي } فقالوا { لَنْ تَرَانِي } يعني دليل على أن موسى لا يراه لا عاجلا، ولا آجلا { لَنْ تَرَانِي } هذه شبهة لهم فنقول لهم: هل أنتم أعلم من موسى موسى الذي كلمه الله تعالى تكليما يسأل ربه، ويقول: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } أليس ذلك دليلا على أنه يعتقد إمكان رؤية الله تعالى. لستم أعلم بالله تعالى من عبده ورسوله الذي كلمه الله تعالى تكليما وأسمعه كلامه، ثم نقول لهم: إن الله تعالى ما عاتبه ولا أنكر عليه إنكارا شديدا كما عاتب نوحًا لما { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } فأنكر عليه بقوله { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } . أنكر الله على نوح لما سأل نجاة ابنه ولم ينكر على موسى لما قال { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } بل قال: لن تراني أي في الدنيا لا تقدر على رؤيتي، ولا تثبت أمام رؤيتي وذلك لضعف بنية البشر في هذه الدنيا؛ فلا يقدرون على الثبوت أمام جلال الله عز وجل، ثم من الأدلة على إمكان الرؤية أن الله تعالى قال: { وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } وما أظن أن الجبل في الإمكان أن يستقر، وقد علق الله تعالى رؤية موسى على استقرار الجبل، واستقراره ممكن، فدل على إمكان الرؤية، فإنه صريح في أنه سوف يراه، فسوف تراني إن استقر الجبل. ثم ذكر الله أنه تجلى للجبل؛ تجلى للجبل وإذا جاز أن الله يتجلى للجبل جاز أن يتجلى لعباده يوم القيامة حتى يروه عيانًا بأبصارهم في الجنة، وفي الدار الآخرة، فإن هذا صريح أنه تجلى، والمعتزلة يُنكرون أن يكون الله يتجلى لأحد؛ لأنهم ينكرون أن ربهم في جهة، تعالى الله عن قولهم. وأهل السنة يعتقدون أن الله تعالى بذاته فوق سماواته وأنه قريب من عباده. ثم يقول العلماء: إن كلمة "لن" في قوله { لَنْ تَرَانِي } لا تدل على النفي المؤبد، ولهذا يقول ابن مالك في الألفية: ومن رأى النفي بلـن مؤبـدا فقوله اردد وســواه أيـــدا أي الذين يقولون: إن "لن" تدل على النفي المؤبد اردد قولهم. ثم أيضا قد ذكر الله تعالى أن اليهود لا يتمنون الموت في قوله تعالى: { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } مع أنه أكده { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } يتمنونه في الآخرة يقولون { يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي يُمِتينا حتى يريحنا من هذا العذاب مع أن الله قال: { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } فدل على أن كلمة "لن" لا تفيد النفي المؤبد. كذلك أيضا من أدلتهم الآيات التي في سورة الأنعام وهي قول الله تعالى: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } كثيرا ما يجعلونها دليلا لهم، وقد بين العلماء أنها دليل عليهم، وأنها دالة على إثبات الرؤية، وذلك لأن الله نفى الإدراك، والإدراك شيء زائد على الرؤية، وهي دليل على أن الله يُرى، وأنه إذا رئي فإن الأبصار لا تحيط به، الإدراك هو الإحاطة، وإدراك الماهية. وقد دل على الفرق بين الرؤية والإدراك القرآن قال الله تعالى: { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا } تراءى يعني: آل فرعون رأوا قوم موسى { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَان قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون } إنهم سوف يدركوننا يعني: يحيطون بنا فقال موسى كلا لا يدركونكم، فدل على أن هناك فرق بين رأى وأدرك فقوله: لا تدركوه يعني لا تحيطوا به يعني متى رأته الأبصار في الآخرة فإنها لا تحيط به، وإنما ترى ما يتجلى لها وحقيقة الإدراك إدراك الماهية. روي أن رجل استشكل الآية عند ابن عباس فقال له ابن عباس ألست ترى القمر؟ قال: بلى قال: أَكُلَّه؟ قال: لا، قال: فذلك الإدراك يعني أنت الآن ترى القمر، ولكن هل تراه كله أو ترى ما يقابلك منه لا تراه جميعا ثم أيضا أنت إذا رأيت القمر هل يتبين لك ماهيته؟ هل القمر من تراب؟ هل هو من حجارة؟ هل هو من زجاج هل هو من عظام من أي شيء هو؟ إنما نرى ما يقابلنا منه، ولا ندرك ماهيته، ولا ندرك أيضا كنهه فكذلك إذا تجلى الله تعالى لعباده، فإن ذلك لا يدل أنهم يُدركون ماهيته، ولهذا حُجِب عنهم إدراك الماهية لما أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أخبِرنا يا محمد عن ربك هل ربك من ذهب؟ هل هو من فضة؟ فحجب الله تعالى ذلك عنهم، وحال بينهم وبين إدراكه، وأنزل قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } إلى آخره، فلذلك لا يجوز أن الإنسان يخوض في ماهية الله تعالى لأن هذا مما لا يمكن إدراكه، ولا يمكن البشر أن يحيطوا به. فعرفنا أن الآية دليل على إثبات الرؤية؛ يعني متى رأته الأبصار فإنها لا تحيط به، ثم إن الآية وردت في التمدح، يمدح الله تعالى بها نفسه، وقبلها قول الله تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي مبدعهما، وهذا مدح { أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أي كيف يكون له، ولد ولم تكن له صاحبة، وخلق كل شيء أي هو الخالق لكل شيء، وهو بكل شيء عليم يمدح نفسه بسعة العلم، لا تدركه الأبصار أي لعظمته، وجلاله، وكبريائه لا يمكن أن تحيط به، وإنما ترى ما يتجلى لها به، وهو يدرك الأبصار يعني: دليل على أنه يحيط بالأبصار ويعلم ماهيتها، فكل ذلك تمدح، ومعلوم أن المدح لا يكون إلا بالإثبات لا يكون بالنفي، وأننا في الرؤية ليس فيه مدح وذلك لأنه يشبه المعدوم، والمعدوم لا يُمدح بكونه لا يرى المعدوم لا يرى، وليس في ذلك مدح له لأنه ليس بشيء. فهذه أدلة هؤلاء، وعرفنا أنها أدلة لأهل السنة فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية أنا ألتزم أن كل من استدل بحق على باطل أن أرد عليه من نفس ذلك الدليل يعني: أن يرد عليهم من دليلهم الذي استدلوا به إذا كان دليلا صحيحا، فهذه الآية دلالة آية صريحة، وآية من كلام الله { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } فدل على أن المراد متى رأته الأبصار، ومتى تجلى لها، فإنها لا تدركه لعظمته أي لا تحيط بكنهه، ولا بماهيته، ولا بعظمته، وكيف تحيط الأبصار التي هي مخلوقة وضعيفة بجلال الله، وبعظمته، فإن ذلك لا يمكن. ذكر الله تعالى أن الأرض قبضته، وأن السماوات مطويات بيمينه، فكيف يمكن إدراك الأبصار لكنهه ولعظمته، ثم الأدلة واضحة على إثبات الرؤية، ولكن المعتزلة وورثتهم لا يقنعون بها بل يحرفونها ويغيرون دلالتها قد ذكرنا أن في هذا العصر من يقول برأي المعتزلة، ويذهب مذهبهم كالإباضية والرافضة، وأن مفتي الإباضية اسمه أحمد بن حمد الخليلي موجود الآن في عمان ممن يُنكر الرؤية، وأنه ألف له كتابا سماه الحق الدامغ، الحق الدامغ ضمنه ثلاث مسائل المسألة الأولى إنكار الرؤية، والثانية أن القرآن مخلوق، والثالثة: إنكار قدرة الله أن الله ليس على كل شيء قدير، وذكر شبهات شبه بها على هذه الأقوال. وفي أيضا تلك الدولة تلاميذ له ألف بعضهم رسالة سماها السيف الحاد في إنكار دلالة أخبار الآحاد، أو في عدم الاحتجاج بأخبار الآحاد يعني: أنهم لا يحتجون بالأحاديث التي في الصحيحين وغيرهما؛ لأنها أخبار آحاد هكذا يقولون، ثم رد عليه في هذا الكتاب الدكتور صابر بن عبد الرحمن طعيمة يعني رد عليه في هذه المسائل الثلاث. وكذلك أيضا رأيت قبل ثلاثين سنة أو نحوها رسالة ماجستير لامرأة من تلك الدولة من الإباضية تقدمت بها إلى جامعتهم، ومنحت درجة عالية درجة الماجستير لما أنها ناقشت مسألة الرؤية، وحرفت في الأدلة التي تدل على إثبات الرؤية، ونتج من قولها أنها تنكر إثبات رؤية الله تعالى. كذلك ذكرنا أيضا أنهم قبل سنتين أو في ثلاث سنين كان هناك في قطر شيخ يُمكن أن تعرفونه عبد الرحيم الطحان ألقى محاضرة في قطر في إثبات الرؤية، وذكر أدلتها، ووضح دلالتها بأسلوبه البليغ الذي تعرفون؛ لأنه إذا تكلم في موضوع أوفاه حقه، وأتى فيه بالأدلة، فلما اشتهرت محاضرته، وسجلت، وانتشرت، وكان فيها قناعة يمكن أن بعضكم قد سمعها لما كان فيها قناعة، ودلالة واضحة خاف هذا الخليلي أن ينخدع بها أهل دولته، وأن يتأثروا بها لقوة الأسلوب فيها، فألقى محاضرة ردا عليه، ومناقشة له في زعمه، وإبطالا لتلك الدلالات التي استدل بها الطحان ثم سجلت أيضا محاضرة هذا الخليلي ثم لم يكتفِ بتسجيلها حتى فرغت وطبعت برسالة سمَّاها، ..وسقط القناع، وهو بلا شك ردٌّ إلى أنها ساقطة رسالته ساقطة، وأن كلامه ساقط، وكله تحريف للآيات، وإنكار لدلالتها وفي هذا دليل على أن لكل قوم وارث. فإن هذا لما شرق بالحق ورأى أدلة واضحة لم يستطع أن يتحمل، وخاف أن قومه الذين كانوا على طريقته ينخدعون في زعمه لهذه الأدلة ولهذا يتحاشون إلى الآن أن تدخل عليهم شيء من كتب أهل السنة، وبالأخص كتب المملكة ومن على نهجهم يتحاشون حتى ذكر لنا بعض الإخوة أنه دخل ومعه مصاحف من القرآن، ولم يأذنوا في إدخالها لأنها جاءت من السعودية في زعمهم أن السعوديين على خلاف ما هم عليه، وأنهم يخالفونهم، وما قبلوها إلا بعد أن فتشت ورقة ورقة يخشون أن فيها شيئا مما يغير عليهم معتقدهم، فدل على تشددهم في معتقدهم. وقبل عشرين سنة كانت المملكة ترسل لهم مدرسين مدرسون على حساب الدولة هي التي تعتني برواتبهم، ويستقدمون أيضا من مصر مدرسين يقومون هم برواتبهم، فيفضلون المصريين على السعوديين، ولا يسندون إلى السعودي شيئا من تدريس الدين، يعني: الأحكام والعقائد، وإنما يسندون إليه دروس آليات كالرياضيات وما أشبهها. يقولون: في زعمهم أنه يُخشى أنه يدنس عقائدهم عقائد الطلاب، وأنه يغير عليهم معتقدهم، ولا يأذنون لأحد من السعوديين في أن يتولى إمامة مسجد أو صلاة بجماعة. ذكر بعضهم يقول: كنت بجوار مسجد في رمضان لا يُصلَّى فيه؛ لأن الذين حوله كلهم عوام، يقول: فرغبوا إلي أن أتقدم لأصلي بهم في رمضان قيام رمضان، فلما صليت بهم يومين جاءني من منعني، فقلت: إني إذا تركتهم لم يصلوا، فقالوا: اتركهم لا يصلون لا تصل بهم، ولو تركوا الصلاة، اجعلوا لهم إماما يصلي بهم ولو على معتقدكم لا نجد، فهذا كله من حقدهم ومن تشددهم في أمر معتقدهم، فيدل على أن لكل قوم وارث؛ فنعرف بذلك أن معتقد أهل السنة هو أن المؤمنين يَرون الله تعالى في الدار الآخرة في الجنة وأن رؤيتهم له من تمام النعيم. لما استدل ابن القيم وغيره بقول الله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ } وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله تعالى النظر إلى وجه الله، وأن أبا بكر والصحابة كذلك فسروا الزيادة بأنها النظر، استدل بأن قوله تعالى: { وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ } أي إذا نظروا إلى الله تعالى فلا يرهق وجوههم إذا نظرت إلى الله تعالى قتر أي ظلمة، أو غمام أو نحو ذلك، ولا ذلة. بل الأمر أعظم من ذلك، بل إن وجوههم تشرق إذا نظرت وجه ربهم، أي إذا نظروا إلى وجه الله تعالى. واستدل ابن القيم كما ذكرنا بسبعة أدلة من القرآن الآية الأولى: قصة موسى وهي قوله { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } والآية الثانية: آية الأنعام { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } يعني إذا رأته لا تدركه والآية الثالثة: آية يونس وهي قوله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قالوا الحسنى هي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله، والآية الرابعة: قول الله تعالى في سورة ق { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } فسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى. والآية الخامسة: قول الله تعالى الآية التي ذكر شيخنا { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } فإذا حُجِب الكفار دل على أن المؤمنين لا يُحجبون. والآية السادسة: قوله تعالى: { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } فسر بأنهم ينظرون إلى الله، والآية السابعة: هذه الآية { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وزاد في بعض الروايات أو في بعض المواضع آيات اللقاء التي فيها قوله تعالى: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } وقال: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ } إن اللقاء حقيقة لا يكون إلا بالنظر إذا قلت: لقيته معناه قابلته هناك ولقيته، لقيت فلانا يعني نظرت إليه فلا يمكن أن يكون لقاء إلا بالنظر. وأما الأحاديث فقد ذكر أكثر من أربعين حديثا أو قريبا منها، وسردها وذكر مراجعها التي نقلها منه، ومن جملتها هذا الحديث؛ حديث جرير الذي فيه { إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا } يعني: صلاتي العصر والفجر، وقيل الحكمة في ذكر هاتين الصلاتين: أن أهل الجنة المقربين ينظرون إلى ربهم في أول النهار وفي آخره، وفسر في ذلك قوله تعالى: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } أي أن من رزقهم نظرهم إلى ربهم بكرة وعشيا. وهذا الحديث إنكم سترون ربكم رواه جرير بن عبد الله البجلي ورواه عن جرير تلميذه الذي هو قيس بن أبي حازم وقيس هذا أدرك الجاهلية، وأسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ما رآه ، فيسمى مخضرما. وروى عن أبي بكر وروى عن أكابر الصحابة، وهو ثقة مشهور مشهود له رواه عن قيس إسماعيل بن أبي خالد ومعه غيره يعني يمكن أن الذين رووه عن قيس نحو ستة أو سبعة. وأما إسماعيل فإنه رواه عنه أكثر من مائة من أعلام المحدثين سرد منهم ابن القيم أسماء كثيرة الذين رووه عن إسماعيل بن أبي خالد ولا يُقال: إن أولئك كانوا مشبهة أئمة مشاهير من علماء الأمة كسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج والليث بن سعد وأبي عمرو الأوزاعي ومالك بن أنس ومن في زمانه من جهابذة العلماء فهل يُقال إنهم لما رووا هذا الحديث وأقروه إنهم مشبهة على زعمكم أيها المعتزلة؟! وأما الأحاديث الأخرى فهي أيضا صريحة مثل قولهم من حديث أبي هريرة { إن ناسا قالوا: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر، قالوا: لا . هل تضامون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك } . وهكذا أيضا رواه أبو سعيد بهذا اللفظ تجدون حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم وفي صحيح البخاري في كتاب الإيمان في صحيح مسلم وكذلك أيضا حديث أبي موسى وفيه قوله صلى الله عليه وسلم { جنتان من ذهب آنيتهما، وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما، وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن } . ورداء الكبرياء يكشفه إذا شاء وهو الحجاب الذي أنه يكشف الحجاب حين ينظرون إليه، وفي حديث صهيب وغيره أخبر النبي صلى الله عليه وسلم { أن المؤمنين إذا زاروا ربهم يقول: إن لكم موعدا لن أخلفكموه، فيقولون: ما هو يا رب؟ ألم تبيض وجوهنا، ألم تثقل موازيننا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار، فيكشف عن وجهه، فلا يلتفتون إلى شيء ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب } . أحاديث صريحة الخليلي في كتابه لما أتى إليها لم يلتفت إليها وادعى أنها مضطربة، ولو كانت في الصحيحين، بل لا يعترفون بالصحيحين. ذكر لنا بعض الإخوة في موسم الحج الماضي أنه حضر أحد المشائخ في مسجد تكلم على أمور العقيدة، والأسماء والصفات، ولما انتهى من كلمته قام أحد هؤلاء الإباضية، وقال: لا تسمعوا لهذا، ولا تغتروا بكلامه، فكل كلامه خطأ وكل كلامه كذب، ولا تغتروا بصحيح البخاري فصحيح البخاري ملئ بالأحاديث المكذوبة يقولها علنا أمام الناس، ولكن أكثر الناس أنكروا عليه، وقبضوا عليه حتى أخرجوه مهينا مما يدل على أنهم متأثرون بمفتيهم هذا الذي أضلهم، ثم لم يزل أهل السنة يوردون الأدلة متقدميهم، ومتأخريهم. ومنهم الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله لما أنه نظم منظومته التي في السنة، وسماها سلم الوصول إلى علم الأصول أمره شيخه ... أن يقرأها ويشرحها، فشرحها وتوسع في شرحها وطبع شرحه في مجلدين، وسماه معارج القبول شرح سلم الوصول لما أتى على الرؤية توسع فيها أيضا فذكر الآيات التي ذكرها ابن القيم وذكر دلالتها، ثم ذكر الأحاديث، وساق الأحاديث الصحيحة التي يُقال: إنها من أصح الأسانيد، واقتصر عليها وهي مع ذلك واضحة جلية. يراجع كتابه معارج القبول، ويراجع أيضا كتاب ابن القيم الذي هو حادي الأرواح؛ يَتبين من ذلك كله ما كان عليه أهل السنة رحمهم الله من الاعتناء بالعقيدة... نتوقف هاهنا... |