ثم ذكر أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، الطاعات فعل الأوامر وترك النواهي والمعاصي ترك الأوامر وفعل النواهي فالطاعات تزيد الإيمان والمعاصي تنقص الإيمان؛ يدخل في ذلك الأفعال والتروك ونحوها. فمثلا: إذا أنفق درهما في طاعة الله زاد إيمانه، أنفقه في معصية الله كغناء وزمر ونحو ذلك نقص إيمانه. مشى خطوات إلى المساجد زاد إيمانه، مشى خطوات إلى الملاهي نقص إيمانه. تكلم بخير وبمعروف زاد إيمانه، تكلم بسب أو بشتم أو لعن نقص إيمانه. نظر في الخير وفي آيات الله تعالى زاد إيمانه، نظر إلى العورات وإلى الملهيات وإلى أفلام الخليعة ونحوها نقص إيمانه. سمع ذكر الله تعالى واستأنس به وسمع الدعوة إلى الله زاد إيمانه، سمع غناء وتلذذ به أو سمع سبابا وأقره نقص إيمانه. نصر الحق بيده وبلسانه زاد إيمانه، نصر الباطل بيد أو بلسان نقص إيمانه. جاهد المسلمين نقص إيمانه جاهد الكفار زاد إيمانه. وهكذا فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. قد ذكرنا أيضا أن ترك المعصية يزيد في الإيمان إذا تركها خوفا من الله تعالى هذه الآية { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } دليل واضح على أن الأعمال من مسمى الإيمان. فعبادة الله؛ يعبد الله يدخل في ذلك كل أنواع العبادة، كل ذلك من دين القيمة، دين القيمة يعني دين الملة القيمة، والدين هو الإيمان. فإذا دعا الله تعالى وحده فذلك من دين القيمة، وإذا خاف من الله فذلك من دين القيمة، وإذا ذكر الله تعالى وحده فذلك من دين القيمة، وكذلك أيضا جعل الله من دين القيمة { وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ } وهو عمل بدني فجعله من الدين { وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } وهو عمل مالي فجعله من دين القيمة، جعل عبادة الله وحده. وجعل إخلاص القلب لله تعالى، وجعل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كل ذلك من دين القيمة. والدين هو الإيمان فذلك دليل على أن الأعمال من مسمى الإيمان. ذكر هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: { الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان } فذكر في الحديث ثلاث خصال: شهادة أن لا إله الله قول، ولكن يتبعه عمل إنما إذا قال لا إله إلا الله اتخذ الله تعالى إلها ولم يأله غيره، وإماطة الأذى عن الطريق فعل؛ إذا رأيت في الطريق حجرا أو شوكا ونحو ذلك وأزلته فذلك من خصال الإيمان وهذا من الأعمال البدنية؛ يعني أعمال الأركان، الحياء عمل قلبي جعله أيضا من الإيمان. كذلك الإيمان يزيد وينقص وذكر الدليل على زيادته قال الله تعالى والآية في سورة التوبة يقول الله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } زادتهم إيمانا وإذا كانت زادتهم إيمانا، فإن الذين في قلوبهم مرض نقصت إيمانهم لما لم يعملوا بها ولهذا قال: { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } يعني المنافقين { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } فدل على أنها تزيد الإيمان وتزيد الكفر فالذين يقبلونها ويعملون بها يزيد إيمانهم والذين يردونها ويجحدونها يزيد كفرهم ويزيد نفاقهم، والآيات كثيرة في سورة آل عمران قول الله تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } هذا الإيمان الذي زادهم يدخل فيه إيمان العقيدة؛ يعني آمنوا بأن الله تعالى ينصرهم وأنهم لا يضرهم كيد الكافرين الذين جمعوا لهم وزادهم إيمانا؛ أي أنهم مضوا لطلب العدو وأتعبوا أنفسهم ولو كان قد أصابهم القرح، فكان ذلك من زيادة الإيمان. وكذلك قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } يزدادوا إيمانا أثبت أنهم يزدادون إيمانا؛ فدل على أن الأعمال من مسمى الإيمان، وأن الإيمان يتفاوت أهله. قال العلماء: إذا زاد الإيمان بهذه الأعمال الصالحة فإن كل شيء يقبل الزيادة فهو قابل للنقصان فإذا كان مثلا العمل بالقرآن يزيد به الإيمان، فترك العمل ينقص به بالإيمان، وإذا كان فعل الطاعات يزيد الإيمان فإن فعل المعاصي ينقص الإيمان. |