فإن الله تعالى ذكر الأنبياء، ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم باسم العبودية. والعبودية بلا شك صفة شرف لهم: إذا قيل هذا عبـده ومحبــه تهلل بشرا وجهــه يتبســم فلذلك ذكره الله تعالى باسم العبودية في أشرف المواضع: فذكره في مقام التحدي في قوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } لم يقل على رسولنا، العبودية شرف. وفي مقام الإسراء بقوله تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } ولم يقل: برسوله؛ وذلك لأن العبودية له شرف. وفي مقام الدعوة: { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } لم يقل: لما قام رسول الله: { لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } . وكذلك في مقام الإنزال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } . هذه أوصاف له بالعبودية مخافة أن أحدا يرفعه ويجعله في مقام الربوبية والألوهية فذكره الله باسم العبودية كذلك أيضا ذكره بأنه بشر في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } بشرا رسولا. البشر: هو الواحد من الناس، يعني أنه من جملة الناس، وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ } أي: أن الله اختصه بالوحي، وإلا فهو بشر مثلكم يأكل كما تأكلون ويشرب كما تشربون، وهكذا الأنبياء قبله؛ كما حكى الله عن قوم عاد، عن عاد أنهم قالوا: { مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } . |