السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد جرى إطلاعنا على خطابكم الموجه إلينا بخصوص ذكركم أن هيئة الأمر بالمعروف بجيزان وجدت في الأسواق قطعًا معدنية على شكل أهلة ونحوها، مكتوبًا فيها آيات قرآنية تباع لتعلق على الأطفال وغيرهم، كتمائم يتقى بها العين والوحشة وغيرهما، وتسألون عن الحكم الشرعي فيها. و الجواب: الحمد لله، روى الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده عن عقبة بن عامر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له } وفي رواية له: { أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة، وأمسكت عن هذا، فقال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك } . والتمائم شيء يعلق على الأولاد يتقى به العين، وهذا المعلَّق إما أن يكون من القرآن أو من أسماء الله وصفاته، أو لا يكون؛ فإن لم يكن من القرآن ولا من أسماء الله وصفاته فلا نعلم خلافًا بين أهل العلم في منعه وتحريمه واعتباره شركًا بالله. وإن كانت من القرآن أو من أسماء الله وصفاته فقد اختلف علماء السلف في حكم تعليقها، فرخص فيها بعض السلف، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وظاهر ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- وأحد قولي الإمام أحمد وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عنها على التمائم الشركية وقاسوا جواز تعليقها إذا كانت من القرآن أو من أسماء الله وصفاته بالرقية، وبعضهم لم يرخص فيه وجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود وابن عباس وظاهر قول حذيفة وبه قال عقبة بن عامر وابن عكيم قال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن. والمراد بالكراهة في قول إبراهيم وغيره من السلف الصالح التحريم، وهذا القول -أعني تحريم تعليقها- هو قول الإمام أحمد اختاره جمع من أصحابه وجزم به المتأخرون منهم، وهذا هو الصحيح من وجوه: الأول: عموم قوله -صلى الله عليه وسلم- { إن الرقى والتمائم والتولة شرك } وقوله: { من تعلق شيئًا وُكِل إليه } أخرجه النسائي (7/ 112)، كتاب التحريم. وقوله: { من تعلق تميمة فقد أشرك } وما روى أحمد و أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي ولفظ أبي داود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود { أن عبد الله بن مسعود رأى في عنقي خيالا فقال: ما هذا? قلت: خيط رُقِيَ لي فيه، قالت: فأخذه وقطعه ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك. فقلت: لم تقول هكذا? لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقاها سكنت، فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان ينخسها بيده فإذا رقى كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا } أخرجه أبو راود ودم (3883)، كتاب الطب، والترمذي رقم (2072)، كتاب الطب. . وما روى أبو داود عن عيسى بن حمزة قال: { دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة فقلت: ألا تعلق تميمة? فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تعلق شيئًا وُكل إليه } أخرجه الترمذي رقم (2072)، كتاب الطب. وما روى وكيع عن ابن عباس قال: اتفل بالمعوذتين ولا تعلق، ولعدم وجود مخصص يخصص شيئًا منها بالجواز. الثاني: أن تعليقها ذريعة لتعليق غيرها وسد الذرائع من مقاصد الشرع الحنيف. الثالث: أن معلقها يدخل بها في الغالب مواضع قضاء الحاجة، وهذا غير جائز شرعًا لما فيها من كتاب الله وأسمائه وصفاته. الرابع: أن التميمة اسم لما يدركه البصر على معلقها من جلود ورقاع ونحوهما لا ما كتب فيهـا. وأما قياس جوازها على الرقية فقياس غير ظاهر لوجود الفرق بينهما، قال الشيخ سليمان -رحمه الله- في كتابه "تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" في معرض كلامه على التمائم وخلاف العلماء فيها: وأما القياس على الرقية بذلك فقد يقال بالفرق، فكيف يقاس بالتعليق الذي لا بد فيه من أوراق أو جلود أو نحوهما على ما لا يوجد ذلك فيه، فهذا إلى الرقى المركبة من حق وباطل أقرب، انتهى المقصود من كلامه. فعليه يلزم منع بيعها، واستعمال الناس لها، ومصادرة ما يعرض منها في الأسواق. والسلام عليكم فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، ج 1 ص 95-98. . |