لا شك أن هذا دليل على ما حباهم الله تعالى به من الفضل؛ وذلك لأنهم أسلموا في حال ضعف الإسلام وقلة أهله؛ فعرفوا الإسلام وعرفوا أهميته، وعرفوا التوحيد وعرفوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوه من كل قلوبهم، ورسخ الإيمان في قلوبهم؛ فالإيمان في قلوبهم أرسى من الجبال؛ ولهذا صبروا على الأذى، وصبروا على العذاب، فمنهم من أوذي في مكة وشدد عليهم في الأذى، وضربوا وحبسوا وألقوا في الشمس، وألقيت الصخور على صدورهم، ولم يصدهم ذلك عن إيمانهم. ومنهم من تكبد المشقة، فانتقلوا من مكة إلى الحبشة التي تعرف الآن بإثيوبيا ؛ انتقلوا هناك، وآثروا تلك البلاد البعيدة التي أهلها من الحبشة ؛ ليسوا من العرب، آثروها حتى يأمنوا على دينهم، وتركوا بلادهم التي هي حبيبة إليهم، وتركوا أموالهم وتركوا أقوامهم وعشائرهم، هجروا أهليهم كلهم وأقاربهم في ذات الله تعالى، فكان ذلك سببا أو دليلا على فضلهم، ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم رجع الذين كانوا بالحبشة وجاء أيضا الذين كانوا بمكة ولم يهاجروا هاجروا إلى المدينة وتركوا أموالهم لله تعالى كما ذكر عن صهيب وخباب أنهم تركوا أموالهم، ونزل في أحدهم قول الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ } ؛ ذلك لأنه كان له أموال وله ديون، فلما أراد أن يهاجر منعه أهل مكة فقالوا: جئتنا وأنت فقير، وكيف تخرج بهذه الأموال التي اكتسبتها عندنا؟ فقال: أشتري منكم نفسي، الأموال كلها لكم التي عند فلان وفلان وفلان، فخرج فريدا بنفسه، أليس ذلك دليلا على أنهم آثروا الإيمان؟ وأن الإيمان امتلأت به قلوبهم؟ ذلك بلا شك دليل على فضلهم، والأدلة على فضلهم كثيرة لو لم يكن منها إلا غزوهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعرضهم للقتال وإنفاقهم أموالهم، وما يملكون كلها في سبيل الله سبحانه وتعالى، فهذه أدلة فضائلهم. |