ثم يقول: "ونرى الجهاد والحج ماضيين مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، وكذا صلاة العيد". وهذا يتعلق بولاة الأمور، كان في الأزمنة المتقدمة يحتاج الجهاد إلى أمير؛ وقد يكون ذلك الأمير عاصيا أو معه شيء من المعاصي والفسوق؛ فلأجل ذلك؛ هل يطاع ويولى على المجاهدين ولو كان معه معصية؟ نعم، وذلك لجمع الكلمة؛ لأنه يقود هذا الجيش ويتوجه بهم إلى عدوهم؛ فإذا كان مُولىً عليهم من قبل الخليفة، وكان له رأي وسداد، وعنده قدرة على تدبير الأمور وعلى تجهيز الجيوش بما يحتاجون إليه؛ فإنه ممن يُجاهد معه، يكون الجهاد معه ماضيا. وكذلك الحج، ما يتيسر الحج مثلا للبعيدين إلا إذا كان عليهم أمير؛ لأنهم إذا كانوا متفرقين يتعرضون لقطاع الطريق، ويتعرضون للأعراب الذين يسلبونهم رواحلهم ونفقاتهم وأموالهم، فلا بد أن يكون على الحجاج أمير يسير بهم ويوجههم ويحميهم، وعنده قوة وقدرة، وعنده جيش يقدر على الممانعة، ومعهم أسلحتهم، ولو كان ذلك الأمير عنده شيء من المعاصي. كثير من الأمراء أمراء الحجاج وأمراء المجاهدين قد يشرب أحدهم الخمر، سواء سرا أو علانية، وكذلك قد يسمع الغناء أو يحب المغنين ويقربهم، وكذلك قد يؤخر الصلاة عن وقتها وبالأخص صلاة العصر، يعرف أن كثيرا منهم يؤخرونها إلى أن تصفر الشمس لانشغالهم بأمور خاصة لهم، فتكون هذه معاصي قادحة للعدالة؛ ولكن لا تشترط العدالة الكاملة في الخلفاء، ولا تشترط العدالة الكاملة في الأمراء، وتجب طاعتهم ويجب السير معهم ولو كان فيهم نقص أو فيهم خلل، وكذلك توليهم لهذا الغزو أو لهذا الحج فيه منفعة وفيه درء مفاسد؛ حماية لهم عن القطاع وعن الكفار الذين إذا كانوا متفرقين فتكوا بهم، ففي ذلك مصلحة لهم، هذا هو سبب أنه يلزم طاعتهم والسير معهم، وأن الجهاد معهم ماض؛ يعني أنه جهاد حق، وأنه يثاب إن جاهدوا معهم، وأن الحج معهم أيضا مقبول ويؤدي به فريضة الإسلام؛ الحج والعمرة المفروضتان. |