............................................................................... ثم إن هذا العلم الذي هو علم العقيدة ضعف أهله في القرون الوسطى -يعني في القرن الرابع والخامس والسادس والسابع، وتمكن طائفة الأشاعرة الذين لا يثبتون إلا بعض الصفات، ولا يثبتون الرؤية الحقيقية لله، ولا يثبتون كلام الله الحقيقي، فلما تمكنوا.. صار أهل السنة يستخفون في إظهار ما يعتقدونه؛ ولكن لا يكتمون العلم؛ بل يعلمونه من كان على معتقدهم، ومن يقبل منهم. في القرن الخامس وأول السادس هذا الإمام الذي هو ابن قدامة صاحب المؤلفات الكثيرة، ولد سنة خمسمائه وواحد وأربعين، يعني: في القرن السادس، وتوفي في القرن السابع سنة ستمائة وعشرين، وله مؤلفات كثيرة تدل على أنه على عقيدة السلف، وأنه على الإثبات؛ ولكن لم يشتهر له تلاميذ على عقيدته؛ لقلة الذين يتظاهرون بنصر السنة في ذلك الوقت. ثم بعده أظهر الله تعالى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولما تمكن واشتهر جاهر بعقيدته، وأفصح بها؛ ولو خالفه فيها من خالفه، فجهر بإثبات الصفات، وبالأخص صفة العلو؛ الذي كان ينكرها أهل زمانه، والذين تمكن منهم المذهب الأشعري؛ ولكنه لم يبال، فألف في ذلك الرسائل الكثيرة، مثل: كتابه "الحموية الكبرى" وهي عقيدة قيمة، وكتاب "التدمرية"، وعقيدته التي هي "الواسطية"، وشروحه الموسعة مثل: رده على الرازي في كتابه الذي سماه: "نقب التأسيس"، وكتابه الذي سماه: "درء تعارض العقل والنقل"، وما أشبهها. وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله، وله -أيضا مؤلفات، مثل: كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"، ومثل: كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية". وتلميذه أيضا تلميذ شيخ الإسلام الذي هو الذهبي ؛ مع أنه شافعي المذهب؛ ولكنه تأثر بشيخ الإسلام، فألف كتابه "العلو" الذي هو في إثبات الصفات، وقد طبع، وكذلك أيضا اختصره الألباني كل هذه.. تتعلق بكتب أهل السنة، ثم جاء بعدهم -أيضا من كتب في السنة، ومن كتب في العقيدة إلى زماننا هذا. هذه العقيدة سماها: "لمعة الاعتقاد"، كأنه تفاءل أنها ضياء. اللمعان: هو النور الذي يكون مضيئا جدا. يقولون: لمع النور، لمع البرق، ولمع لنا ضوء. لمعة -يعني ضياء الاعتقاد، الهادي إلى سبيل الرشاد؛ ومع الأسف ما شرحها أحد من المتقدمين؛ مع شهرتها؛ مع كثرة الحنابلة إلى الذين على هذا المعتقد، لم يشرحها أحد فيما نعلم؛ لكن شرحت في هذه الأزمنة المتأخرة، وطبع لها عدة شروح، والحمد لله. ابتدأها بالحمد على ما هو معروف، أن المؤلفات تبدأ بالتسمية، وبالحمد. ورد في الحديث: { كل كلام لا يبدأ بحمد الله فهو أقطع، أو أبتر، أو أجذم } والمعنى: أنه ناقص البركة. والحمد: ذكر محاسن المحمود؛ مع حبه وتعظيمه وإجلاله. وعرفه بعضهم بأن الحمد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم؛ بسبب كونه منعما على الحامد وغيره. والله تعالى يستحق الحمد؛ لأنه المنعم على الجميع، فحمده: ذكر محاسنه. وكذلك أيضا تعظيمه؛ لكونه منعما على الجميع. قوله: المحمود بكل لسان، يعني: حسا أو معنى، يعني: الذي يجب أن يحمده الجميع بكل الألسن، وليس المراد: أن جميع الألسنة ما . دونه حسا؛ ولكن له النعمة، وله الفضل على الجميع، وهم مغمورون بفضله ونعمته؛ ولو أن الكفار والعصاة ونحوهم لم يحمدوه وجحدوا نعمه؛ ولكن لو تكلمت جوارحهم لنطقت بحمد الله سبحانه. ذكر أنه المعبود في كل مكان، المعبود: الذي يستحق أن يعبد في كل مكان أي يعبده المصلون، ويعبده المؤمنون، وليس المراد: أن جميع البقع يعبده أهلها؛ فإن هناك بلادا استولى عليها الكفار، ولم يكونوا يصرحون بعبادته؛ ولكن معبود في كل الأماكن عبادة معنوية؛ مع أن جوارحهم تخضع لله تعالى، وأنهم يسجدون لله طوعا وكرها. وصفه بقوله: الذي لا يخلو من علمه مكان، يعلم كل شيء ولا يخلو مكان لا يعلمه؛ بل علمه محيط بجميع الخلق، قال الله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } ويقول تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } ويقول تعالى: { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } { يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } { وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } وفائدة ذلك: مراقبة الله تعالى، فإن من علم بأن الله تعالى مطلع عليه فإنه يراقبه ويخافه. |