............................................................................... قوله: منه بدأ وإليه يعود: منه بدأ يعني: تكلم الله به ابتداء. وإليه يعود يعني في آخر الدنيا، عندما لا يعمل به يرفع من الصدور، ويمحى من السطور، ولا يلقى منه في المصاحف حرف، يعود إلى الله تعالى، ويذهب به. ذكر أن القرآن سور محكمات، قال تعالى: { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } وقال تعالى: { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } وقال تعالى: { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } فهو محكم، والإحكام: هو الإتقان. يعنى: متقن، { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } . ذكر أنه آيات بينات: يعنى واضحة الدلالة. ذكر أنه حروف وكلمات: الحرف: هو جزء من الكلمة، واحد الحروف. والكلمة: هي القول المفرد. إذا قيل مثلا: إن كلمة "بسم الله" كلمتان: الأولى مركبه من ثلاثة حروف: الباء، والسين، والميم. يعنى: كل واحد منها يسمى حرفا. يقول: من قرأه فأعربه: يعنى أفصح به، ولم يغلط فيه، فله بكل حرف عشر حسنات. ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف } يعني: من قرأ "الم" حصل له ثلاثون حسنة، أجر كبير له. له أول وآخر: يعنى تقول مثلا: هذا المصحف أوله فاتحة الكتاب { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وآخره: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } له أول وآخر. وله أجزاء وأبعاض: يعني جزأه الصحابة، فجعلوه ثلاثون جزءا، وجعلوه أبعاضا، قالوا: هذه السورة بعض من القرآن. بعض يعني جزء منه، أو قسم منه. متلو بالألسنة: يعنى يقرؤه المسلمون بألسنتهم، يتلونه حق تلاوته، قال تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ } يعني: اقرأه. محفوظ في الصدور: يعنى يسر الله تعالى حفظه، قال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } يسر الله تعالى حفظه. من صفات هذه الأمة: أن أناجيلهم في صدورهم، يعنى: أنهم يحفظونه في صدورهم. الإنجيل: هو ما كتب. أناجيلهم في صدورهم. مسموع بالآذان: يعنى إذا قرأه القارئ سمعه السامعون، كما في قوله تعالى: { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } وقال تعالى: { يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } يعنى: سمعوه بآذانهم، فهو مسموع. مكتوب في المصاحف: نسخه الصحابة، قد كان ينسخونه في أوراق خاصة، ثم في عهد أبي بكر جعلوه في أوراق متتابعة، ثم في عهد عثمان جعل في هذا المصحف، ورتب على هذا الترتيب. وفيه محكم ومتشابه: قال تعالى: { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } والمتشابه: هو الذي يشتبه أصله، أو كنهه، أو كيفيته، أو ماهيته؛ وذلك كالأمور الغيبية التي يشتبه علينا تصورها، فإننا لا نتصور كيفية عذاب القبر، ولا نتصور كيفية الأرواح التي تخرج من الجسد، لا ندري ما ماهيتها، ولا نتصور أيضا كيفية الصور الذي ينفخ فيه { يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } ولا ندري ما كيفية النفخ، ولا نتصور أيضا كيفية البعث، وكيفية خروج الناس، ولا نتصور أيضا كيفية الميزان الذي توزن به الأعمال، وما أشبه ذلك من الأمور الغيبية. فيكون هذا من المشتبه. أما المحكم: فهو الذي يفهم لفظه، ويفهم معناه، ويظهر لمن تأمله. وفيه ناسخ ومنسوخ: قال تعالى: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } دل على أنه قد نسخ بعض القرآن لفظا، ونسخ بعضه معنى، وبقي لفظه. وفيه خاص وعام: الخاص: هو الذي يخص به بعضهم، كالآيات التي فيها: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } والعام: الآيات التي فيها: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } هذا خطاب للناس عموما. وفيه أمر ونهي: الأمر مثل: قوله تعالى: { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } وقوله: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } النهي مثل: { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أمر ونهي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ } يعنى: لا يجد المبطل فيه مطعنا، { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } لا يأتيه من بين يديه يعني مما سلف ولا مما يستقبل. { مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } منزل من الله تعالى، سمى نفسه بأنه حكيم حميد. |