............................................................................... وأما البكر فقد ثبت أيضا في الحديث أنه يغرب، ينفى عن أهله وبلده سنة. وثبت في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد وغرب، وأن أبا بكر جلد وغرب، وأن عمر جلد وغرب، وأن عثمان جلد وغرب } وثبت في الحديث ذكر التغريب في في حديث عبادة { جلد مائة وتغريب عام، أو جلد مائة ونفي سنة } . والتغريب أن يبعد عن بلده وينفى إلى بلد بعيدة، لا يوصل إليها إلا بمشقة. يعني في الزمن القديم قدروها بمسافة قصر، ولكن في هذه الأزمنة مسافة القصر لا تسمى؛ يعني لا يصدق عليه أنه منفي فيها، فإنه يستطيع أن يأتي إلى بلده كل يوم أو كل يومين؛ فعلى هذا لا بد أن يبعد إلى دولة أخرى، أو إلى بلد لا يتمكن فيه من الرجوع إلى محله وإلى وطنه، يبعد عن بلده، هذا هو الذي عليه العمل. وجعل بعضهم بدل النفي السجن، وقالوا: لا شك أنه والحال هذه إذا سجن يبتعد عما ألفه، عما كان يألفه من مألوفاته وعاداته التي كان يعرفها. يعرف أصدقاء سوء يوقعونه في الزنا، ويعرف أيضا نساء من العاهرات يتصل بهن ويدعينه إلى فعل الفاحشة معهن، فإذا انقطع عنهن سنة فلعله أن يتغير. ولعل ولا بد أن يتغيروا نحوه؛ هذا هو الحكمة في التغريب؛ فذهب الجمهور إلى أنه يغرب سنة، وأنكر ذلك الحنفية وقالوا: ما ورد التغريب في القرآن، وإنما ورد في الأحاديث، والزيادة على النص تعتبر نسخا. ولا يقال: إن القرآن منسوخ بالسنة. فتكلف الذين أنكروا ذلك من الأحناف، تكلفوا في رد الأحاديث، وعمدتهم أن القرآن ما ذكر فيه إلا الجلد، وأن السنة لا تنسخ القرآن، وأن الزيادة عندهم على النص تسمى نسخا. وبكل حال فالأصل أنه إضافتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولا تسمى الإضافة نسخا، والأصل أيضا أنه فيه المصلحة، وهو تأديب ذلك الزاني، وإبعاده عن مألوفاته، وعما كان عليه. لا شك أن هذا كله مما تهدف إليه الشريعة، ومما يتبين أن الشرع جاء بكل ما فيه مصلحة، وجاء بما فيه زجر عن مقارفة ومعاودة هذه الفواحش. |