............................................................................... ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم: { رأى رجلا ينظر من خصاص الباب في داخل الدار؛ فجاء يختله ومعه مدرى -الذي يفرق بها الرأس -وهو قرن دقيق - يختله ليطعن عينه } . وفي حديث آخر أنه قال : { لو دخل عليك رجل بغير إذن ففقأت عينه فلا إثم عليك } ؛ وذلك لأنه يتلمس الغفلات وينظر إلى العورات. ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا واقفا أمام الدار، وكأنها كانت مغلقة الباب فقال: { لو أعلم أنك تنظر إلينا لفقأت عينك؛ إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } . لا شك أنه إذا دخل بغير إذن فجأة على أهل بيت فقد يفجؤهم بما لا يحبون أن يراه منهم، فلو قذفه أحد منهم بحجر ففقأ عينه؛ فإنها هدر، تذهب عينه ولا دية له؛ حيث أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يفقأ عين ذلك الذي ينظر من خصاص الباب. الأبواب قديما كانت من الأثل أو من الخشب يعني: شبه ألواح يربط بعضها ببعض فيكون بينها خصاص؛ يعني خلل بين السقيفتين، فربما أن بعض الناس يأتي إلى ذلك الباب، فيلصق عينه في ذلك الخلل الذي بين اللوحين ويطلع على ما في داخل الدار؛ فلذلك لو جاءوا إليه عن غفلة وفقأوا عينه بمخيط أو بعود دقيق لذهبت عينه هدرا؛ لأنه فعل ما لا يجوز له؛ فإن الناس في بيوتهم يتفسحون ويتوسعون، ولا يحبون أن أحدا ينظر إلى داخل بيوتهم؛ فأباح لهم أن يفقأوا عين من يلتمس عوراتهم، وينظر إلى أحوالهم الخفية هذا هو الأصل. كذلك معلوم أيضا أن هذا في النظر، ويقال كذلك أيضا في السمع، في حديث مشهور : { من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون؛ صب في أذنه الآنك يوم القيامة } أي: الرصاص المذاب؛ يعني حتى يصيبه الصمم؛ فهذا بلا شك من تتبع الأسرار. فإذا علمت أن هؤلاء بينهم سر في منزلهم، وجئت إليهم وأخذت تستمع كلامهم، ألصقت أذنك مثلا مع نافذة أو عند الباب لتستمع إلى ما يتناجون به؛ فإنه يعتبر من التدخل فيما لا يعنيك، بل لو رأيت اثنين في زاوية يتناجيان؛ فلا يحل لك أن تدخل بينهم وأن تستمع إلى كلامهم؛ فذلك مما يخل بالعدالة وينافي المروءة، ويستحق صاحبه العقوبة. نظم بعض العلماء بعض الخصال التي يستحق صاحبها العقوبة نظمها بقوله: يستوجب الصفع في الدنيا ثمانيـة لا لـوم في واحد منهم إذا صفعـا المسـتخف بسـلطان لـه خـطر وداخـل الـدار تطفيلا بغير دعـا ومنفـذ أمـره في غـير منزلـه وجالس مجلسا عن قـدره ارتفعـا ومتحـف بحـديث غير سـامعـه وداخـل في حـديث اثنين مندفعـا وطـالب الفضل ممن لا خلاق لـه ومبتغـي الـود من أعدائه طمعـا فذكر منهم من يدخل الدار بدون أن يؤذن له، النبي صلى الله عليه وسلم أباح أن تفقأ عينه، وهذا الناظم أباح أنه يصفع؛ يعني يستوجب الصفع إذا دخل الدار على أهلها دون أن يأذنوا له، وكذلك داخل في حديث اثنين مندفعا؛ يعني اندفع ودخل فيما بينهم، وهم يتحدثون في زاوية منفردين فهذا أيضا يستحق العقوبة؛ وسبب ذلك أنه دخل فيما لا يعنيه وفي الحديث : { من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } . ونقول على هذا: لا يجوز تتبع عورات المسلمين ولا التطلع في بيوتهم ولا النظر في أسرارهم ولا إفشاء أخبارهم، ورد فيه حديث: { يا معشر من آمن بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته } . فمن تتبع العورات في هذه الأزمنة التطلع في بيوت الناس بغير إذن؛ فمثلا لو صعدت سطحا وأشرفت على سطح جيرانك؛ فليس لك أن تطلع، بل عليك أن تغض بصرك وأن تصرف نظرك، فربما ترى امرأة غافلة صعدت لغرض من الأغراض، ربما ترى شيئا من مالهم وضعوه في ذلك المكان لا يحبون أن يطلع عليه أحد وما أشبه ذلك. وهكذا أيضا بعض الجيران يهتبل غفلة جيرانه إذا كان بينه وبينهم نوافذ فيتحين غفلاتهم؛ فينظر مع النافذة ويطلع على نسائهم، والمرأة آمنة في منزلها قد تكون متكشفة كاشفة شعرها أو وجهها، ولا تظن أن أحدا يتطلع عليها في تلك الساعة؛ ففي هذه الحال يعتبر قد أذى جيرانه وقد نظر إلى ما لا يحل له، فكل هذا مما جاءت الشريعة بمراعاته ومراقبته؛ حتى لا يحصل التأذي من المسلمين. |