............................................................................... يستدل المغرضون الذين يذكرون أو يبيحون كشف المرأة لوجهها ببعض الأدلة المجملة التي لا دليل فيها، فمن ذلك حديث عن أسماء بنت أبي بكر أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: { يا أسماء إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يحل أن يرى منها إلا هذا وهذا أشار إلى وجهها وكفيها } . هذا الحديث ضعيف في إسناده انقطاع بين الراوي وبين عائشة وفي إسناده أيضا رجل ضعيف لا يحتج به، قد ضعفه المشائخ وصرحوا بأنه لا يصح معتمده. كذلك أيضا من أدلتهم حديث الخثعمية { المرأة التي جاءت تسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أباها أدركته الفريضة شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة، يقولون: فجعل الفضل بن عباس ينظر إليها، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يكف وجهه عن النظر إليها } ليس في هذا الحديث أنها كانت متكشفة. فإن نساء العرب يحتشمن ويتسترن؛ نظره إليها ما قالوا: إنه ينظر إلى وجهها قد ينظر إلى قامتها وإلى طولها وإلى هيكلها، وذلك لا شك أنه من أسباب الفتنة؛ لأنه شاب لا يزال عزبا، فخاف إذا نظر إليها أن يعجب بها وأن يفتتن فصرف وجهه عن النظر إليها؛ فلا يدل على أنها كانت متكشفة فإن هذا يخالف ما أمر الله تعالى به من قوله: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } فلا دلالة في هذا ولا مُتَمَسَّك فيه. كذلك أيضا ذكروا في هذا الحديث أن الفضل لما كان رديفا للنبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الظعن؛ يعني النساء المحرمات الراكبات والماشيات؛ فكان يصرف بصره عنهن. ليس فيه أيضا أن أولئك الظعن متكشفات ولا سافرات وإنما فيه أنه ينظر إلى مشيتهن وإلى قاماتهن وإلى هياكلهن. النظر إلى المرأة فتنة ولو كانت متجملة، ففي حديث سهل الذي في قصة المرأة التي وهبت قالت: أهب لك نفسي. أن نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إليها وهي قائمة، صعد النظر فيها وصوبه، ينظر إلى قامتها وإلى -يعني- هيكلها، وإلى صورة مظهرها مما وراء اللباس؛ فهذا لا يقدر الإنسان على أن يكف نفسه أو بصره عن مثل هذا؛ ولكن لا شك أنه إذا خاف الفتنة فإن عليه أن يكف بصره وأن يعدل عن ذلك، ويغض بصره لقوله: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } . كذلك أيضا من جملة ما يستدلون به في حديث العيدين: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى النساء وذكرهن وقال: { إني رأيتكن أكثر أهل النار قالت: امرأة سفعاء الخدين -لماذا- أو لماذا كان النساء أكثر أهل النار؟ } . ظن بعض هؤلاء أن قوله سفعاء الخدين أنها كاشفة لوجها، وهذا خطأ؛ فإن هذه الكلمة تطلق على المرأة الجريئة، وليس شرط ذلك أن تكون سافرة، وأن يرى خدها أو خداها؛ إنما يقال للمرأة الجريئة المترجلة المرأة التي معها شيء من الجرأة والرجولة والرعونة: إن هذه سفعاء الخدين، هكذا ذكر أهل اللغة. فبكل حال، هذه أكثر متمسكات الذين يبيحون للنساء أن يبدين وجوههن أمام الرجال الأجانب، وقد انخدع بذلك كثير من الدعاة إلى هذا التكشف ونحوه، وصاروا ينشرون نشراتهم في دعوة النساء إلى أن يخرجن، وإلى أن يزاحمن الرجال، ويختلطن بهم من غير احتشام ولا استحياء، وكذلك أيضا يدعونهن إلى أن تسافر المرأة وحدها، وإلى أن تجلس مع الرجال الأجانب، وكل ذلك مما يهوونه ويتمنونه حتى يتمكنوا من نيل أغراضهم، ونيل شهواتهم المحرمة. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كرر ما يدل على الحماية والحفاظ على النساء؛ فنهيه صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة بدون محرم حماية لها؛ لأنها إذا سافرت وسلكت طريقا خاليا لم يؤمن أن يلتقي بها بعض الفسقة، ويخدعونها ويضلونها عن الطريق، ويفعلون بها ما يريدون؛ فلذلك أمرها أن تستصحب أحد محارمها كزوجها أو بعض محارمها. كذلك أيضا شدد في الخلوة بالمرأة: { ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } لا شك أن ذلك أيضا من الحرص على الحماية؛ حماية المرأة والحفاظ عليها. |