............................................................................... في هذه الآية قول الله تعالى: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } إلى آخر الآية، أباح الله لها أن تبدي زينتها لهؤلاء الذين هم محارمها. ما المراد بزينتها التي تبديها لهؤلاء؟ المراد: الزينة التي تخفيها عن الأجانب كالوجه والكفين والذراعين والساقين هذه عادة تبديها لبعض محارمها؛ فتبديها لهؤلاء المحارم ونحوهم؛ لأن محارمها مأمونون عليها؛ يعني على الوجه الأغلب لأنهم هم الذين يحفظونها ويحافظون عليها ويغارون عليها. فلو كانت المرأة تبدي للأجانب وجهها وشعرها ورجليها ويديها لم يبق لمحارمها شيء يختصون به، فالله تعالى جعل للمحارم شيئا خاصا أنها تبديه لهم، ذلك الذي تبديه لهم هو وجهها ويداها وقدماها وشعرها وثدياها، عندما تريد إرضاع طفلها لأن هذا عادة أنها تتجرأ على إبدائه لهؤلاء المحارم، مما يختصون به عن الأجانب هذه هي الزينة.. تبديها لهؤلاء. عرفنا بذلك أن لهم خصائص، فإبداء الوجه من الزينة يكون لأقاربها -محارمها- وكذلك إبداء الساعدين وإبداء الساقين وإبداء الثديين وإبداء الشعر ونحوه، هذا من الزينة التي لا تبديه إلا لهؤلاء الذين استثنى الله، استثنى الله تعالى في هذه الآية اثني عشر أغلبهم من محارمها زوجها بلا شك؛ الذي هو قوله: { إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } يحل له الاستمتاع بها، ويحل له النظر إليها؛ لأنها زوجته التي أبيحت له، أبوها لا شك أنه أقرب محارمها، ابنها لا شك أيضا أنه من أقرب محارمها لها. كذلك ابن زوجها من غيرها محرمة عليه لقوله: { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } ؛ فلها أن تبدي له زينتها كالوجه والكفين ونحو ذلك مما تبديه لابنها. أبو زوجها من محارمها أيضا؛ لأن الله حرمها عليه بقوله: { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } فهي أيضا من محرم له تبدي له زينتها التي تبديها لمحارمها. أخوها محرم لها، محرمية دائمة. ابن أخيها كذلك محرم لها دائما، وابن ابن أخيها وإن نزل، ابن أختها محرم لها أيضا دائما محرميته دائمة؛ فهؤلاء ثمانية من محارمها. بقي من محارمها اثنان لم يذكرا في هذه الآية، وهما العم والخال، قال بعض العلماء: ترك ذكرهما؛ لأن أولادهما ليسا محارم؛ فقالوا: إنها لا تتفسح أمام عمها مخافة أن يصفها لابنه ولا أمام خالها لئلا يصفها لابنه، ولكن قد ذكر الله تعالى أنهما من المحارم في آية المحرمات في قوله تعالى: { وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ } فدل على أن العم والخال، وفي قوله: { وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ } دل على أن العم والخال من المحارم. ثم قال تعالى: { أَوْ نِسَائِهِنَّ } فهم بعض العلماء أن إضافة الضمير إليهن يختص بنساء المؤمنات؛ يعني أو نساء المؤمنات وأن المرأة لا تبدي زينتها للكافرات، ولكن الصحيح أن المراد جنسهن من النساء، أن المرأة أمام النساء تبدي زينتها؛ أي تبدي ما تبديه لإخوتها ولأخوالها وأعمامها وأبناء أخيها، وأبناء أخواتها تبدي ذلك للنساء. المرأة أمام المرأة ليست بحاجة إلى التستر فلها أن تبدي لها وجهها، وأن تبدي ثدييها عند احتياجها لإرضاع الطفل، وأن تبدي كفيها وساعديها وشعرها وعنقها، وقدميها، وأما الزينة الخفية فإنها لا تبديها إلا لزوجها؛ فلا تبدي صدرها ولا بطنها ولا منكبيها ولا ظهرها ولا جنبيها؛ لأن هذه مما تحتشم المرأة عن إبدائها حتى لأقاربها، فكذلك أيضا لا تبديها للنساء؛ وذلك لأن هذا فيه شيء من التجرؤ على إبداء ذلك أمام من لا يوثق بخلوته بها. وكذلك أيضا إذا خافت من إبداء زينتها عند بعض محارمها الفتنة، فإن عليها أن تتستر فقد تخاف من ابن أخيها إذا خلا بها إذا كان دينه ضعيفا، أو ابن أختها أو عم أو خال، أو والد زوج أو ابن زوج، قد تخاف منهم، قد يكون دينه وأمانته ضعيفة فلا يحجزه دينه وإيمانه عن فعل المنكر. فيقع كثيرا أن مثل هؤلاء يتجرأ على هذه المرأة التي هي زوجة أبيه أو زوجة ابنه أو بنت أخته أو نحو ذلك؛ فيفعل معها الفاحشة -والعياذ بالله- يذكر من ذلك حوادث كثيرة؛ فإن مثل هؤلاء الذين هم خفيفة ديانتهم؛ عليها أن تتستر منهم، وألا تخلو بهم إلا إذا كان معها من تأمن معه، وأما إذا كان معروفا بأمانته وبصيانته وبديانته وبمحافظته وورعه فلا مانع من ذلك. ثم يدخل في مثل هؤلاء القرابة من الرضاع؛ وذلك لأنه أيضا يعتبر من المحارم، فأخوها من الرضاع لها أن تسافر معه، وكذلك أبوها من الرضاع، وعمها من الرضاع الذي هو أخو أبيها الذي هو أخو صاحب اللبن فإنهم من المحارم. وكذلك القرابة من المصاهرة ذكروا أيضا في هذه الآية، والد الزوج قرابته ثابتة، وابن الزوج قرابته أيضا ثابتة، ومحرميته مستمرة. مما أبيح لها أن تبدي زينتها في هذه الآية المملوك الذي تملكه؛ عبدها الذي تملكه. معلوم أنها تستخدمه في حاجاتها، وأنها تضطر إلى أنها تبدي وجهها ويديها عنده لحاجتها إلى خدمته، فهو مملوكها ولكن بشرط أن يكون مأمونا؛ أن تؤمن الفتنة. فإذا كان ذلك العبد معروفا بالظلم أو بقلة الديانة، أو بفعل الفواحش ونحو ذلك؛ لزمها أن تتستر عنه؛ ولزمها أن تبتعد عنه ولا تخلو به. من الذين أبيح لهم النظر إليها من ليس له شهوة وهو قوله: { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ } ؛ يعني بعض الرجال الذين ليس لهم همة ولا شهوة في النساء، ولا ميل إليهن، فمثل هذا لا حاجة إلى أن تتستر عنه؛ لأنه مأمون لعدم الشهوة التي تدفعه إلى فعل الزنا ونحو ذلك. في حديث عائشة { ذكرت أن مخنثا كان يدخل على زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- } والمراد بالمخنث: الذي يتشبه بالنساء في ترقيق كلامه وفي تثنيه وتعطفه؛ كأنه ليس له شهوة وليس له همة فكن لا يتسترن عنه، يعتقدن أنه من غير أولي الإربة. ثم إنه قال لأخي أم سلمة { إذا فتحتم الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أرى هذا يعرف مثل هذا لا يدخل عليكم } فأمر أن يحجب؛ ومعنى ذلك أنه تفطن إلى ابنة غيلان هذه أنها تقبل بأربع؛ يعني أن بطنها كبير، وفيه عكن أربع عكن في بطنها من كبر بطنها. العكن: هي المعاطفات أربع، ثم لكل عكنة رأس من اليمين ورأس من الشمال، فإذا أدبرت رؤي أطراف العكن أربع من هنا، وأربع من هنا، فكيف تفطن لهذا؟ دليل على أنه ينظر إلى النساء نظر رغبة؛ فعند ذلك أمر بنفيه وإخراجه، فجعله من غير أولي الإربة؛ لأنه فطن لهذا الأمر. هؤلاء غير أولي الإربة الذين ليس لهم همة ولا شهوة ولا ميل إلى النساء، يجوز للمرأة أنها تخلو بأحدهم أو أنها تبدي شيئا من زينتها أمامهم؛ لكونهم مأمونين عليها؛ فإذا عرف بأنهم ينظرون إلى النساء نظر رغبة ونظر شهوة أو أنهم يصفون منها الشيء الذي فيه خفاء بحيث يصفونه للرجال؛ كان ذلك دليلا على أنهم من أولي الإربة أي: من أولي الشهوة فيحجبون. الثاني عشر: "الطفل" أو الطفل الذين لم يبلغوا عورات النساء؛ يعني الأطفال الذين ليس لهم همة ولا شهوة؛ لا بأس أنها تكشف لهم. وحدُّه أن يرى منه النظر إلى النساء نظر رغبة، حدده بعضهم بعشر سنين، إذا تم له عشر سنين ودخل في الحادية عشرة؛ فإن رؤي منه تحديقه النظر إلى المرأة؛ فإنه يحجب، وأما إذا لم ير منه ذلك ولم يظهر منه شيء مما يدل على شهوته؛ فإنه لا يحجب حتى يبلغ النظر { أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } يعني: لم يكونوا يحرصون على النظر، ولا على التطلع في عورات النساء؛ يعني في زينتهن. يتساهل بعض النساء فتتجمل وتظهر زينتها أمام كثير من الأولاد الذين هم قرب البلوغ أي: في نحو السنة الرابعة عشرة أو الثالثة عشرة، هؤلاء قد يكونون بالغين أي: قاربوا البلوغ أو بلغوا؛ فلا يؤمن أن يكون مع أحدهم شهوة؛ فيميل إلى النساء أو يصفهن أو نحو ذلك. فإذا قارب الشاب البلوغ وصار مراهقا؛ احتجبت منه المرأة الأجنبية. كذلك أيضا يتساهلون بالإناث الصغار؛ فلا يحجبون البنت التي عمرها عشر سنين، ربما إلى الثالثة عشر والرابعة عشرة، ويدعون أنها لا تزال صغيرة طفلة لم تبلغ أن تتعلق بها الأنظار، ولا أن تشتهيها النفوس، وهذا أيضا من الخطأ؛ فإنها قد تكون شابة شبابا قويا، ولو كان عمرها عشر سنين؛ فتتعلق بها الأنظار إذا بدت وهي متكشفة؛ نظر إليها الرجال والفتيان والشباب نظر شهوة؛ فيكون في ذلك فتنة، وقد تنخدع لكونها جاهلة فيختطفها بعض الجهلة أو بعض العصاة ونحوهم، ويفعلون معها الفاحشة. وقع ذلك كثيرا. إذا رأوا هذه الشابة التي تجاوزت عشر سنين، وجمالها يلفت النظر، وشبابها قوي؛ اندفع إليها أحدهم وخدعها حتى يخلو بها، ويزين لها إلى أن يقع معها، لا شك أن هذا خطأ؛ يعني عدم الغيرة عليها وعدم تسترها. ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: { إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة } يعني: إذا تمت تسع سنين وبدأت في العاشرة؛ بلغت سن النساء فهي امرأة. إذا كانت امرأة فإنها تحجب وتحفظ ويحافظ عليها أهلها؛ فيحجبونها ويلزمونها بالتستر، يلزمونها بالحجاب كما تلتزم بذلك الكبيرة. |