شرح أحاديث من كتاب النكاح من صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "باب الحرة تحت العبد". حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : { كان في بريرة ثلاث سنن عتقت فخيرت، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الولاء لمن أعتق, ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبرمة على النار فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت ، فقال : ألم أر البرمة فقيل: لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة قال : هو عليها صدقة ولنا هدية } . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذا الحديث قصة بريرة وكانت مولاة لقوم من قريش مملوكة لهم، ثم إنها اشترت نفسها بثمن مؤجل بتسع أواق، والأوقية أربعون درهما على أن تؤدي إليهم كل سنة أوقية حتى تعتق، وكانت عائشة تعرفها وتحب أن يكون ولاؤها لها؛ فجاءت إلى عائشة تستعينها في كتابتها؛ أي في ثمنها الذي تؤديه إلى أهلها. عرضت عليها عائشة أن تدفع الثمن لأهلها جميعا على أن يكون الولاء لعائشة ؛ أي ولاء الولاية وولاء العتق. ولما أخبرت بريرة أهلها؛ امتنعوا وقالوا: الولاء لنا, ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليهم هذا الاشتراط؛ فكانت هذه سنة حدثت بسب هذه المرأة؛ وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- خطب وقال: { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق } ؛ فصارت هذه من السنن أن من أعتق عتيقا فذلك العتيق يوالي سيده الذي أعتقه بمعنى النصرة والإيواء والانضمام إليه ليكون كفرد من أفراد القبيلة؛ أي قبيلة ذلك الذي أعتقه. السنة الثانية: لما عتقت كان زوجها رقيقا، ولما كان زوجها مملوكا خيرها النبي -صلى الله عليه وسلم- هل تبقى في ذمته أو تختار نفسها؟ فاختارت نفسها، وانفسخ نكاحها، وقالت: لا حاجة لي فيه، وأسف زوجها عليها، وصار يمشي خلفها ودموعه تسيل، يريد أنها ترجع إليه كزوجة؛ فأشار عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنها أصرت على الامتناع فصار سنة؛ أن الأمة إذا عتقت وزوجها مملوك تبقى مخيرة لها الخيار، إن اختارت أن تبقى معه في ذمته وإن اختارت أن تفسخ نكاحها، ويبطل النكاح، وتفارق ذلك الزوج. وقد اختلف هل كان زوجها مغيث حرا أم عبدا، والصحيح أنه كان عبدا مملوكا اسمه مغيث ذكر ذلك ابن عباس وغيره. فإذا عتقت الأمة وزوجها حر فقد صارت مثله في أنها حرة وهو حر؛ فليس لها الخيار, بل تبقى على زوجيتها، هذا هو القول الصحيح. لكن إن كان أهلها الذين هم يملكونها زوجوها ذلك الحر قهرا عليها؛ يعني بغير رضاها، فإنها إذا عتقت ملكت نفسها، ولها أن تفسخ وتقول: إنني زوجتك بغير اختياري، أكرهوني عليك وأنا لا أريدك، والآن قد أصبحت أملك نفسي؛ فلا أريدك. أما إذا كانت مختارة عندما زوجوها؛ فإنها تبقى في ذمته؛ إلا أن يفارقها باختياره، وأما إذا كان عبدا فإن لها الخيار مطلقا. ومعلوم أن الأمة إذا تزوجها حر؛ فإن أولادها يكونون مماليك لسيدها، وأما إذا كان إذا كانت حرة وزوجها مملوك؛ فإن أولادها يصيرون أحرارا؛ فالأولاد يتبعون أمهم في الحرية والرق. ففي بريرة ثلاث سنن: السنة الأولى: أنه جعل فيها الولاء لمن أعتق؛ يعني أصبح الولاء لعائشة لأنها التي أعتقتها. والسنة الثانية: أنها عتقت وزوجها عبد فخيرها فاختارت نفسها وانفسخ نكاحها. السنة الثالثة: ما ذكر من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليهم والبرمة تطبخ فيها لحم؛ فطلب طعاما فأتوه بخبز وإدام, فطلب اللحم الذي على البرمة الذي فيها، فقالوا: إنه صدقة وأنت لا تأكل الصدقة؛ تصدق به على بريرة فقال: { هو لها صدقة ولنا هدية } فأكل منه, وفي رواية : { قد بلغ محله } بمعنى أنه كان لا يأكل من الصدقات التي هي أوساخ الناس، وأما هذا فإن بريرة لما ملكته أهدته إلى أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأكل منه وجعله كهدية.