............................................................................... أنكر هذه الرؤية المعتزلة، وشددوا في إنكارها، وذلك لأنهم يدعون أن الرؤية لا تكون إلا بمقابلة؛ وذلك عندهم مستحيل؛ فمن أجل ذلك أنكروا الرؤية، وتبعهم في إنكارهم كثير من الفرق؛ فلا يزال فرق أئمة الشيعة ينكرون رؤية الله، وكذلك طائفة الإباضية في عمان ذكرنا ما قاله مفتيهم أحمد الخليلي ويمكن سمعتم شريطا للشيخ عبد الرحيم الطحان الذي يقيم الآن في قطر أنه ألقى محاضرة أثبت فيها رؤية الله وذكر الأدلة؛ محاضرة كاملة طويلة، وضح فيها الأدلة. وكان ممن يثبتون أسماء الله وصفاته ولما اشتهر هذا الشريط وصل إلى أهل عمان فخاف الخليلي أنه يغير عقيدة أهل عمان الذين ينكرون هذه الرؤية؛ فرد عليه بشريط وتأول فيه الأدلة وحمَّلها ما لا تحتمل وحرفها، ثم إنه أمر تلاميذه أن يفرغوه في أوراق، وطبعت وسماها (وسقط القناع)، ولعل بعضكم اطلع عليه؛ إما على شريط الخليلي وإما على الرسالة هذه (وسقط القناع). وإذَا كله تحريف لآيات الله، الآيات التي فيها إثبات رؤية الله تعالى، وكذلك الأحاديث، ويستدلون بقول الله تعالى لموسى لما قال: { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } ولا شك أن هذه الآية دليل عليهم؛ وذلك لأن موسى نبي الله وكليمه الذي حمَّله رسالته سأل ربه قال: رب أرني أنظر إليك؛ فقال الله: لن تراني. أي: لا تقدر على أن تراني في الدنيا برؤية البشر. البشر في الدنيا لا يتحمل أن يثبت لرؤية الله؛ ولكن انظر إلى الجبل. انظر إلى هذا الجبل الطور الذي هو شامخ فإن استقر مكانه فسوف تراني. إذا استقر الجبل مكانه إذا تجلى الرب تعالى له فإنك سوف تراني، { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } تجلى الله تعالى للجبل فمن نور الله تعالى، ومن عظمته اندك الجبل، وتساوى بالأرض، أو خر في الأرض من نور الله تعالى؛ فعند ذلك خر موسى صعِقا لما رأى أن هذا الجبل اندك. فيقول الخليلي إن هذا دليل على أن الله لا يُرَى لأنه قال: لن تراني، والجواب أن نقول: يا خليلي هل أنت أعلم من موسى نبي الله الذي كلمه تكليما يقول: ربي أرني أن أنظر إليك وأنت تقول: إنه لا يمكن النظر إلى الله. معناه أنك أعلم من الأنبياء، متى نزل عليك الوحي؟ ومتى كنت تتصرف في ربنا سبحانه وتعالى وتقول: إنه لا يُرى؟ الكليم كليم الله يسأل الرؤية، وهو يدل على أنه يعتقد أنها ممكنة وأنت تقول: لا يمكن، ثم الله تعالى قال: { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } استقرار الجبل ممكن، وإذا كان ممكنا فإن الله تعالى علق الرؤية عليه؛ على استقراره بقوله: { فَسَوْفَ تَرَانِي } وإذا كان كذلك فإنه من الممكن. ثم نقول: إن الله يقول: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } الرب تعالى تجلى للجبل ألا يجوز أن يتجلى لخلقه ولعباده في الجنة، إذا تجلى للجبل فإنه يتجلى لعباده ويعطيهم قوة في الجنة يثبتون بها لرؤية الله، ولا يحترقون ولا يتزعزعون ليسوا في الدنيا. في الدنيا أبشارهم وأبدانهم ضعيفة لا يمكن أنها تثبت لرؤية الله. ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل. حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } فأخبر بأنه احتجب بالنور. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: { يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه } يعني أنه احتجب بالنور فكيف أراه؟ . مما استدل به الخليلي في هذه الرسالة، وفي هذا الشريط قول الله تعالى: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } وأجاب أهل السنة؛ أجاب عبد الرحيم وغيره بأن الإدراك غير الرؤية. الإدراك هو الإحاطة أي: لا تحيط به، فيدل على أنها دليل على الرؤية. كأن المعنى إذا رأته الأبصار في الجنة، فإنها لا تحيط به أي: لا تراه جميعا، ولا تراه على ما هو عليه، وإنما يتبدى لهم ويريهم وجهه، فينظرون إليه، ولا يحيطون به كما في قوله تعالى: { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } . سئل ابن عباس عن هذه الآية: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } فقال لذلك السائل: ألست ترى القمر؟ قال: نعم قال: أكله؟ يعني: أتراه كله قال: لا قال: كذاك الإحاطة، يعني: ما تراه كله ما ترى الجهات كلها، وأيضا إنما ترى منه ما يقابلك، وأيضا لا تدري ماهيته لا تدري هذا القمر الذي تراه هل هو ترابي وهل هو حجري؟ وهل هو قطعة سحاب؟ وهل هو من ذهب أو من فضة أو من عقيان أو من جوهر؟ لا ندري إنما نراه ونتحقق أن هذا هو القمر، وهذه هي الشمس؛ فإذا كان كذلك فإن الرؤية غير الإحاطة؛ فيكون المعنى إذا رآه المؤمنون، فإنهم لا يحيطون به؛ إذا رأته الأبصار، فإنها لا تحيط به، فتكون الآية دليلا على إثبات الرؤية لا على نفي الرؤية كما يقوله الخليلي وأتباعه فلا يغتر بهؤلاء. تكلم الخليلي على نفي الرؤية في هذه الرسالة عنوانها (وسقط القناع) وتكلم عليها أيضا في كتابه الأول الذي سماه (الحق الدامغ) يعني: في نظره أنه دمغ أهل السنة -تعالى الله عن قوله- فهذه عقيدة أهل السنة: والمؤمنـون يـرون حقـا ربهـم .................................... |