بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المصنف -رحمه الله تعالى-" باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم علمه الكتاب . قال: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: { ضمني النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: اللهم علمه الكتاب } . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذه ميزة وفضيلة لابن عباس -رضي الله عنهما- ظهر أثرها واستجاب الله -تعالى- دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- له، وفيه أنه ضمه إليه، وقال: { اللهم علمه الكتاب } وفي حديث آخر: { اللهم فقهه في الدين } وفي رواية: { وعلمه التأويل } . الكتاب قد يراد به القرآن، وقد يراد به الشرع الكتاب والسنة، وفقهه في الدين يعني: ارزقه فهما في دين الله -تعالى- في آيات الله وفي أحكامه دليل على أن من الفضل العلم بالأحكام والعلم بالكتاب والعلم بالسنة، والعلم بالفقه في دين الله -تعالى- والفهم في ذلك أنه من أفضل الأعمال، وأنه مما يحصل به شرف وميزة وفضل لمن حصل له ذلك، ومنهم ابن عباس فإن الله -تعالى- وفقه ورزقه الفهم في الدين والحفظ، ذكر أنه لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: قلت لشاب من الأنصار هلم فلنتعلم ما دام صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- متوافرين نأخذ منهم، فيقول ذلك: قال ذلك الشاب عجبا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إلى علمك وفيهم صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم؟ يقول: فتركت قوله وأقبلت على التعلم، وكلما ذكر لي حديث عند أحد الصحابة طرقت بابه حتى أني آتي إليه وهو نائم وقت القيلولة، فيقال: إنه نائم فأجلس بالباب تسفي الريح في وجهي فإذا استيقظ وخرج ورآني قال: ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هلا أرسلت إلي فآتيك فأقول: لا، العلم أولى أن يؤتى له، فبعد سنوات وبعدما حفظ ما حفظه وفهم من القرآن ما فهمه، وإذا الناس يتوافدون إليه يسألونه ويستفتون منه ويتعلمون منه، فقال ذلك الشاب من الأنصار: أنت أفقه مني يعني أنه اعترف له بالفضل؛ حيث وفقه الله -تعالى- وحفظ العلم. ذكر ابن القيم وغيره أن الأحاديث التي سمعها وحفظها من النبي -صلى الله عليه وسلم- يمكن ألا تزيد على عشرين حديثا، بقية هذه الأحاديث أخذها من الصحابة؛ ولذلك لا يقول: سمعت إنما يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك بعد تأكده من صحة ذلك الحديث؛ لأنه أخذه من مصدره، وكان الصحابة يحفظون من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما حضروه فيه، ولكن لا يكون هناك مناسبة؛ لأن ينتصبوا ويحدث كل واحد منهم وهو لا يحفظ إلا عشرة أحاديث أو ثلاثين حديثا أو نحو ذلك، ولكن جمعها فأخذ من هذا عشرة، وأخذ من هذا عشرة ومن هذا عشرين ومن هذا مائة ومن هذا.. إلى أن اجتمع عنده هذا الجم الكثير. فتجدون أحاديثه في مسند الإمام أحمد تزيد على الألف، وكذلك في غيره من الكتب، كلها استفادها بحرصه وبأخذه عن الصحابة -رضي الله عنهم- زيادة على ما فتح الله -تعالى- عليه من الفهم في القرآن فإنه كان يفسر القرآن بما فتح الله عليه؛ ولذلك يعتمد تفسيره. وممن اشتغل عليه مجاهد أحد تلاميذه، مجاهد بن جبر هذا مولى، ولكن رزقه الله العلم فهو يقول: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته ثلاث عرضات أقفه عند كل آية وأسأله متى أنزلت؟ وفيم أنزلت؟ فيجيبه مما يدل على أنه قد فسر القرآن فسره كله التفسير الذي يناسبه، هاهنا تفسير مطبوع يسمى "تفسير ابن عباس ". جمعه بعض المتأخرين وهو الفيروزآبادي صاحب القاموس، ورواه بإسناده أو بأسانيده، ولكن ذكروا أن أسانيده فيها رجال ضعفاء فلا يعتمد كل ما جاء فيه، ولكن يرجع في تفسير ابن عباس إلى كتب المتقدمين الذين ينقلونها بأسانيدهم كثير منهم موجود، موجود تفسير ابن جرير وهو أوسع تفاسير المتقدمين، فإنه يتعرض للأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط فهو بذلك فائق على تفاسير المتقدمين، ويوجد أكثر، تفسير ابن أبي حاتم الذي ينقل عنه ابن كثير بإسناده بقوله: قال ابن أبي حاتم حدثنا، وفقد بعضه والذين طبعوه كملوه بما وجدوه من النقول عنه، ويوجد تفسير عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد ولكنه مختصر. وفي هذه التفاسير نقول كثيرة عن ابن عباس مما يدل على أن الله -تعالى- علمه الكتاب كما دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-. |