باب نكاح الأبكار. وقال ابن أبي مليكة قال ابن عباس لعائشة { لم ينكح النبي -صلى الله عليه وسلم- بكرا غيرك } . قال أبو عبد الله حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني أخي عن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى أنها قالت: { قلت يا رسول الله! أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك، قال: في التي لم يرتع منها تعني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرا غيرها } . قال أبو عبد الله حدثنا عبيد بن إسماعيل قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك في سرقة حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشفها فإذا هي أنتِ، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه } . ورد في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرا إلا عائشة كان تزوج عشر نساء كلهن ثيبات منهن خديجة ماتت عنده، وكذلك الباقيات كلهن بقين عنده إلا من مات منهن، فالحاصل أنه ما تزوج إلا عائشة بكرا، ولا شك أن ذلك دليل على أنه لم يكن غرضه بالتزوج مجرد الشهوة، ولكن له أهداف وله أغراض أخرى؛ خلاف لما يعيبه به أعداء الله الذين يقولون: إنه رجل شهواني، وإنه ليس له طلب إلا نكاح النساء، ولذلك أكثر منهن. فالحاصل أنه نكح عائشة وهي بكر وكانت تفتخر بذلك، ذكر في هذا الحديث أنها ضربت مثلا قالت: أرأيت لو أتيت إلى شجر قد أُكل منه -قد رتعت فيه الإبل والدواب- وشجرة لم يؤكل منها؛ في أيها ترتع بعيرك؟ فقال: في التي لم يؤكل منها؛ يعني التي يكون زهرها، ويكون ورقها متوفرا كثيرا. وهذا تريد به أنها هي التي لم يمسها أحد قبله، ولا شك أن هذا يدل على فضلها، والله تعالى اختارها له لما يدخره لها وللمؤمنين من الخير الكثير. ذكر في هذا الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أريها في المنام مرتين قبل أن يتزوجها، يقول: إنها عرضت عليه وعليها سرقة من حرير؛ يعني قد تحجبت بها، فيقال هذه امرأتك فيكشف فإذا هي يعرفها، ويقول: إن يريد الله شيئا يمضه، إذا قدر الله شيئا فإنه سيقع، فقدر الله تعالى أنها كانت زوجته، وكانت من أحب زوجاته إليه. أولا: أنها بنت أبي بكر بنت الصديق الذي هو صديق النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي هو أول مَن آمن به مِن الرجال، والذي واساه بنفسه وواساه بماله فأحبها لمحبة أبيها. وثانيا: أنها رأى فيها الأهلية، رأى فيها المودة والمحبة والخدمة والتواضع. وثالثا: أنها ذات معرفة وعلم، حفظت الكثير من السنة، حفظت علما كثيرا، كانت ممن رزقها الله تعالى العلم والفهم والإدراك والحفظ القوي والذاكرة؛ بحيث إن أكابر الصحابة وأصاغرهم يرجعون إليها عند الاختلاف ويرضون بما تقوله إذا اختلفوا في حديث وجدوه عندها، روته لهم كما كان دون أن تغير لفظه؛ لا شك أن هذا مما ادخره الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-. ومع ذلك فإنها كما ذكر هي البكر التي تزوجها دون غيرها، فيحبها لهذه الأسباب كلها، ولما مرض أخذ يسأل: أين أنا غدا؟ فرخص له زوجاته أن يجلس حيث أحب، فاختار أن يمرض في بيت عائشة وتقول عائشة مات في اليوم الذي يدور علي فيه، وتقول أيضا: إن الله جمع بين ريقي وريقه في آخر حياته، وأنه مات بين حاقنتي وذاقنتي، الذاقنة: الذقن الذي هو أسفل الوجه، والحاقنة: التي هي الترقوة التي هي العظم المتصل بالمنكب؛ كأنها كانت قد أسندته إلى صدرها، ولها فضائل كثيرة معروفة في كتب الفضائل. |