............................................................................... والحاصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام بُعِثَ بالسنة التي سماها الله تعالى الحكمة، وفرض على الأمة اتباعه، والشهادة له بالرسالة، وأُلْزِمُوا بأن يطيعوه، ووعد الله مَنْ أطاعه بالثواب الجزيل، وتَوَعَّدَ مَنْ عصاه بالعقاب الوبيل، وجعل سُنَّتَهُ مفسرة، ومكملة للقرآن. أمره الله تعالى بأن يُبَيِّنَ ما أجمل في القرآن. أجمل الله تعالى الصلاة في القرآن، وهو الذي وضحها وفسرها بقوله وبفعله؛ بَيَّنَ عدد الركعات، وبَيَّنَ عدد الصلوات، وبَيَّنَ المواقيت، وبَيَّنَ الأدعية التي فيها. وكذلك أيضا أجمل الله الزكاة؛ ذكر الله أهلها بقوله: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } الآية التي سمعنا، وذكر الله إجمالها في قوله: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } { وَآتُوا الزَّكَاةَ } ولكن بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أصنافها، فَبَيَّنَ أن الزكاة رُبُعُ الْعُشْرِ في الذهب والفضة، ورُبُعُ الْعُشْرِ في أموال التجارة، وفي الذهب والفضة، وبَيَّنَ أن الزكاة نصف الْعُشْرِ في الخارج من الأرض؛ إذا كان يُسْقَى بمؤونة، والعشر كاملا إذا كان يُسْقَى بلا مؤونة، وبَيَّنَ ما لا زكاة فيه بقوله: { ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة } إلى آخره. تفاصيل الزكاة من أين أخبرنا بها إلا من السنة؟ السنة التي بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله مقادير الزكاة، ومقادير الأنصبة، والأموال الزكوية التي فيها زكاة، والتي ليس فيها زكاة، مثل قوله: { ليس في الخضراوات زكاة } وأشباهها. وكذلك أيضا الصيام مُجْمَلٌ في القرآن، ومُبَيَّنٌ في السنة، ما ذكر في القرآن مثلا أنواع الْمُفَطِّرات وتفاصيلها، ولا كفارةُ مَنْ أفطر في رمضان بِوَطْءٍ أو نحوه، ولا ذُكر مثلا صيام التطوع، ولا ما يتجنبه الصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ وما أشبهه. كذلك أيضا الاعتكاف؛ أُجْمِلَ في القرآن، وفُصِّلَ في السنة. كذلك أيضا الحج؛ أكثره مُجْمَلٌ والسنة بَيَّنَتْهُ؛ بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم المناسك، وكذلك الحدود التي أُجْمِلَتْ في القرآن في قوله: { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحدود، وأشباه ذلك. فكيف مع ذلك نتمسك بقول الشيخ فلان، ونترك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد صح صحة لا ريب فيها؟! ولأجل ذلك كان الأئمة رحمهم الله يَحُثُّون على السنة، ويُحَذِّرُون من التقليد. فالإمام مالك يقول: "كل أحد يُؤْخَذُ من قوله ويُتْرَكُ إلا صاحب هذا القبر" فمعناه: أن قوله هو كذلك ليس ميزانا دائما؛ بل إذا خالف قولُه شيئا من السنة قُدِّمَت السُّنَّة، وكذلك الإمام أبو حنيفة ثبت عنه أنه يقول: إذا جاء القول أو الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاضربوا بقولي الحائط؛ يُقَدِّمُ قول الرسول. وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله اشتهر أَنَّ رجلا سأله عن مسألة، فقال: أَفْتَى فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا. فقال السائل: فما تقول أنت؟ فغضب غضبا شديدا، وقال: أقول: قال رسول الله وتقول: ما تقول أنت؟ أتراني في كنيسة؟ أتراني في بيعة؟ أتراني ألبس على وسطي زنارا؟ وهكذا الإمام أحمد رحمه الله يقول: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان عرف الإسناد وصِحَّتَهُ، ويقدمون قول سفيان الثوري ويتبعونه! وهم يعلمون الأحاديث الصحيحة. فالحاصل أن اتِّبَاع السنة وتقديمها على قول الشيخ فلان وفلان، هو واجب المسلم، ومن لم يفعل فإنه لم يكن مُتَّبِعًا حقيقة الاتباع. هذا المقال في المقدمة، وفيما يأتي إن شاء الله تكميل لذلك، والله تعالى أعلم. |