الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين. قال المؤلف رحمه الله تعالى: وهذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام المحض، وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو السنة والجماعة، فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه من وجوه متعددة رواها أهل السنن والمسانيد؛ كالإمام أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم أنه قال: { ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة } وفي رواية: { من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي } . وهذه الفرقة الناجية أهل السنة وهم وسط في النحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل، فالمسلمون وسط في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين؛ لم يغلوا فيهم كما غلت النصارى فـ { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ولا جفوا عنهم كما جفت اليهود، فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا؛ بل المؤمنون آمنوا برسل الله وعزروهم ونصروهم ووقروهم وأحبوهم وأطاعوهم، ولم يعبدوهم ولم يتخذوهم أربابا كما قال تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . ومن ذلك أن المؤمنين توسطوا في المسيح فلم يقولوا: هو الله ولا ابن الله ولا ثالث ثلاثة كما تقول النصارى، ولا كفروا به وقالوا على مريم بهتانا عظيما حتى جعلوه ولد بغي كما زعمت اليهود؛ بل قالوا: هذا عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه. وكذلك المؤمنون وسط في شرائع الله لم يحرموا على الله أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء ويثبت؛ كما قالته اليهود كما حكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } وبقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } ولا جوزوا لأكابر علمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله فيأمروا بما شاءوا وينهوا عما شاءوا كما يفعله النصارى؛ كما ذكر الله ذلك عنهم بقوله: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: { قلت يا رسول الله ما عبدوهم. قال: ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم } والمؤمنون قالوا: لله الخلق والأمر، فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره، وقالوا: سمعنا وأطعنا فأطاعوا كل ما أمر الله به، وقالوا: إن الله يحكم ما يريد ، وأما المخلوق ليس له أن يبدل أمر الخالق تعالى ولو كان عظيما. وكذلك في صفات الله تعالى فإن اليهود وصفوا الله تعالى بصفات المخلوق الناقصة فقالوا: هو فقير ونحن أغنياء، وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إنه تعب من الخلق فاستراح يوم السبت إلى غير ذلك. والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به فقالوا: إنه يخلق ويرزق ويغفر ويرحم، ويتوب على الخلق، ويثيب ويعاقب. والمؤمنون آمنوا بالله سبحانه وتعالى ليس له سمي ولا ند { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } وليس كمثله شيء فإنه رب العالمين، وخالق كل شيء، وكل ما سواه عباد له فقراء إليه { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } . سمعنا ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله. أولا: ما ذكره عن أن هذه الأمة تسأل ربها الصراط المستقيم. نقول في صلاتنا: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } والصراط هو الطريق، والمستقيم هو الذي لا عوج فيه. قد ذكرنا أن الصراط فسر بأنه القرآن أو الإسلام أو الرسول، والكل حق فإنه متلازم، ومعلوم أن المراد بالسؤال هنا الثبات. يعني: إذا كنا على الصراط فإننا بحاجة إلى أن يبينه الله لنا؛ إذا كنا في أوله نحب أن نواصل السير عليه إلى نهايته، فلا بد من بيانه وإيضاحه؛ فإذا لم يبينه لنا فيوشك أن نضل. الله تعالى يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فالذي يبدأ في السير على طريق يوشك أن يضل إذا لم يكن معه من يبين له اسلك هذا الطريق اسلك هذا وسر عليه؛ إذا سار قليلا يمكن أن ينحرف عنه يمنة ويسرة بخلاف ما إذا كان معه من يهديه، ومن يدله ويسيره عليه. فمعنى: { اهْدِنَا } أي دلنا وأرشدنا وثبتنا؛ وإذا كنا على الصراط الآن فإنا بحاجة إلى من يثبتنا حتى نسير عليه إلى نهاية الحياة. |