............................................................................... ذكر أن أهل السنة وسط في فرق الأمة؛ كما أن الأمة وسط في الأمم السابقة، وأراد بذلك حث الأمة على أن يثبتوا على هذه الوسطية؛ لا غلو ولا جفاء، فإنا سمعنا أن اليهود صاروا ينكرون شرع الله ولا يقبلون إلا ما بأيديهم، وكثيرا ما يردون كثيرا مما بأيديهم؛ فأنكروا صرف القبلة وقالوا: { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا } فلا يؤمنون إلا بما في كتابهم، فمثل هؤلاء تحجروا واسعا، واقتصروا في زعمهم على ما بأيديهم مع أنهم لا يعملون بكثير منه؛ فذكر الله أنهم يردون كثيرا منه في قوله: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فهذا طرف من الأطراف. أما الطرف الثاني فهم النصارى الذين توسعوا في التحليل والتحريم، وجعلوا أئمتهم وعلماءهم وعبادهم يشرِّعون لهم ويأخذون ما شرعوه. أنكر الله ذلك عليهم بقوله: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } اتخذوهم أربابا. سمعنا أن عدي بن حاتم لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد تنصر في الجاهلية مع أنه من العرب فقال: يا رسول الله: إنهم لم يعبدوهم كيف تقول: اتخذوهم أربابا. إنهم لم يعبدوهم وفي رواية: لسنا نعبدهم. ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم عبادتهم بأنهم يحلون لهم الحرام، ويحرمون لهم الحلال قال: { أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم } بمعنى أنهم أطاعوهم في تغيير شرع الله؛ فصاروا في طرفي نقيض، هؤلاء تحجروا فلا يقبلون إلا بعض ما جاء في كتبهم، وهؤلاء توسعوا فصاروا يحلون ويحرمون ويغيرون شرع الله. وتوسطت هذه الأمة واقتصرت على شرع الله؛ فلا يغيرون من شرع الله شيئا، ولا يردون منه شيئا. لا يردون منه مع ثبوته بل يقبلونه، ولا يزيدون عليه ويغيرونه عن وضعه بل يعملون به، هذا توسطهم في هذا الأمر. |