الحكم في زوجة المفقود

كذلك زوجته تبقى في ذمته هذه المدة؛ لكن يقول كثير من العلماء: الأولى أن الحاكم يجتهد؛ لأنه إذا انقطع خبره مدة طويلة فإن على الآخرين ضررا. الزوجة عليها ضرر، لو غاب وعمره عشرون سنة فهل نقول لزوجته: تبقى سبعين سنة وهي معلقة؛ لا أيما، ولا ذات زوج؟! لا شك أن في هذا ضررا؛ فللقاضي أن يجتهد ويحكم بما يراه. ثم في هذه الأزمنة قد يقال: إن الحالة قد تغيرت؛ بحيث قربت المسافات. الذي كان لا يقطع إلا في سنتين يقطع في بضع ساعات، المسافات التي يقطعها بعضهم في خمس سنين بواسطة السير على الرواحل ونحوها. فالأصل أنه يجتهد الحاكم، وأنه يُبعث من يبحث عنه في الجهة التي توجه إليها، وهناك مخابرات، وهناك مكالمات هاتفية، وكذلك أيضًا هناك رحلات سريعة؛ يمكن أنهم يحصلون على علم وعلى معرفة به، وفي أي جهة كان. لا شك أن مثل هذا؛ أنه يقرب البعيد، فللحاكم أن يجتهد بما يراه؛ ولكن كلام الفقهاء فيما إذا انقطع خبره، ولم يمكن أن يوصل إليه، ولا معرفة لأحد به؛ وذلك لأنه قد يُخفِي نفسه. قد يحرص على الإخفاء والاختباء؛ بحيث أنه لا يكلم أحدا من أهله، ولا يظهر خبره. يفعل ذلك كثيرون لأسباب: كأن يكون –مثلاً- قاتلاً قد قتل إنسانا وهرب، وخاف أنه إذا عثر عليه أن يقتل؛ فيختفي في بلاد بعيدة، ويخفي نفسه، ويظهر بين أهل تلك القرية كأنه واحد منهم؛ يعمل، ويحترف، ويشتغل، ويقيم على ما هو عليه من الغربة؛ غامضًا في الناس. لا أحد يعرفه، ولا أحد يدري من أين جاء؛ فتطول مدته؛ ففي هذه الحال يمكن أن ينتظر تمام تسعين عامًا، وكذلك أيضًا كثير من الغارمين -الذين عليهم ديون كثيرة أثقلتهم- يهرب، ويختفي في بعض الدول، وينقطع خبره؛ لأنه ليس عنده قدرة على أن يوفي ما بذمته، وإذا جاء فقد يسجن مدة طويلة، أو نحو ذلك؛ فلذلك قد يخفي نفسه، وتطول مدة الانتظار، ففي هذه الحال يعمل بما ذكر الفقهاء؛ من انتظاره تمام تسعين سنة من ولادته، ثم يقسم بعد ذلك ماله، وفي هذه الحال أيضًا كما قلنا؛ يرث من أقاربه الذين ماتوا. في مدة الانتظار.