الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. وبعد: قال المصنف رحمه الله: (كتاب بدء الوحي) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، { أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما أقول } . قالت عائشة رضي الله عنها: { ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا } . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الوحي في اللغة: حركة سريعة خفيفة. ثم يراد به هاهنا الذي ينزله الله تعالى على أنبيائه بواسطة الملائكة، فيكلم الله تعالى الملك ويأمره بأن ينزل على الرسول البشري بما يأمره به من الأحكام والأوامر والنواهي؛ ولهذا يسمى القرآن وحيًا كما في قوله تعالى: { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } وفي قوله تعالى: { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ؛ يعني ينزل عليك هذا القرآن وهذا الكلام بواسطة الملك. ففي هذا الحديث أن الحارث بن هشام وهو أخو أبي جهل لما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي إليه، وكيف نزول الملك إليه؟ فأخبره بحالتين: الحالة الأولى أشدها عليه، يقول: { أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول } هكذا الحالة الأولى؛ أن ينزل عليه الملك ويكلمه ولكن يغمى عليه، أو شبه أنه يكون عند نزوله شبه المغمى عليه من شدة وقع الوحي ونزوله، فيكون وقعه وصوته صوتًا شديدا كصوت صلصلة الجرس الشديد، بعض الأجراس يكون صوته شديدًا بحيث إن الذي يسمعه يكاد أن يسد أذنيه من شدة صلصلته، فهذه الحالة الأولى. والحالة الثانية أسهل؛ بأن يتمثل له الملك رجلًا ويكلمه ويعي ما يقول، وذكروا كثيرًا أنه يتمثل في صورة رجل يقال له دحية بن خليفة الكلبي كثيرًا ما يأتي إليه الملك بصورته، يعتقد الناس أن هذا هو ابن خليفة . وكذلك قد يأتيه في صورة رجل أجنبي، تذكرون حديث جبريل عليه السلام جاءه في صورة رجل أجنبي لا يُرَى عليه أثر السفر، ليس من أهل البلاد البعيدة فيرون عليه أثر السفر، ولا من أهل المدينة فيعرفونه شخصيًا مما يدل على أنه ليس من البشر، لو كان من أهل البلاد الأخرى رأوا عليه آثار السفر، ولو كان من أهل المدينة عرفه بعضهم. هذا حالة من الحالات. ذكرت عائشة بعد ذلك أن الوحي ينزل عليه في اليوم الشاتي شديد البرد مع شدة البرد ينزل عليه ( فينفصم ) يفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا؛ يتصبب عرقًا، وذلك من شدة نزول الوحي عليه حتى في الشتاء في شدة البرد، إذا نزل عليه الملك كأنه من شدة كلام الملك عليه يلاقي هذه الشدة، وإن جبينه جبهته ليتصبب عرقا، فهذه من صفة الوحي. |