قوله صلى الله عليه وسلم: { ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار } وفي رواية: { لا يجد العبد طعم الإيمان حتى } .. إلى آخره. أخبر في هذا الحديث بأن هذه الثلاثة يجد بها العبد حلاوة الإيمان، أو يجد طعم الإيمان. الإيمان هو أصل العقيدة؛ يعني عقيدة الإنسان الذي هو إيمانه بالله تعالى ربًا وخالقًا ومعبودا، وإيمانه بما أخبر الله تعالى به من الأمور الغيبية، وإيمانه بشرع الله عز وجل، وإيمانه بأمره ونهيه وبوعده ووعيده وبثوابه وعقابه وبقضائه وقدره، وإيمانه بكتبه ورسله، وإيمانه بالبعث بعد الموت، الإيمان يعم ذلك. وكذلك أيضًا آثار هذا الإيمان الذي هو الأعمال الصالحة. أخبر صلى الله عليه وسلم بأن لهذا الإيمان طعما وله حلاوة، والطعم هو الذي يجده الإنسان في فمه. إذا أكل شيئًا حاليًا أحس بطعمه، أو غير حالٍ أحس بطعمه، ولكن الرواية الأولى تبين أن هذا الطعم طعم لذيذ؛ ولذلك قال حلاوة الإيمان أي لذته، وقد اختلف العلماء هل هذه الحلاوة حلاوة حسية أو معنوية؟ ورجح كثير منهم أنها حسية، واستدلوا على ذلك بآثارها عند المؤمنين حقًا أنها تظهر عليهم آثار هذه الحلاوة، ويجدون للعبادات لذة لا يجدها غيرهم، فيتلذذون بالصلاة ويتلذذون بالسهر في عبادة الله، فثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم: { جعلت قرة عيني في الصلاة } وقوله: { أرحنا يا بلال بالصلاة } فدل على أن للأعمال الصالحة راحة البدن، وأن لها لذة وطعمًا. وكذلك أيضًا ذكروا عن بعض الصالحين أنه قال كابدت قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة. أي أنه في العشرين الأولى كان يجد مشقة، وفي العشرين سنة الأخيرة يجد لقيام الليل لذة أشد من لذات الطعام والشراب؛ فدل على أن هناك طعما يحسه وإن لم يكن في فمه، بل هو في جميع بدنه، لذة وحلاوة للإيمان. وكذلك أيضًا ورد عن بعض السلف أنه قال: إن في الدنيا جنة من لم يذقها لم يذق جنة الآخرة. هذه الجنة ليست هي البساتين والخضار والفواكه والنعم والمأكولات الشهية ونحوها، ولكنها التلذذ بطاعة الله عز وجل. ويقول آخر منهم: إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا، أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب. تلك الأوقات هي تلذذه بذكر الله وبطاعته وبعبادته القولية والبدنية تلذذه بدعائه، تلذذه بقراءة كتابه، فيجد طعم ذلك في قلبه، كما يجد الآكل طعم الأكل في فمه، فهذا أمثلته كثيرة. وذكروا أن ابن أدهم كان من أولاد الملوك، ثم إنه زهد في ملك آبائه وأهله وترك الدنيا لأهلها، وكان يأكل كل يوم رغيفًا من خبز يابس ويشرب عليه ماء من ماء البحر أو شبيهًا بماء البحر، ويقول: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف. أي لو يعلمون تلذذنا بهذه الطاعة وبهذه العبادة لزاحمونا في ذلك، فهذا دليل على أن للعبادات لذة وطعما يجده الإنسان ألذ من العسل ونحوه. كان سعيد بن المسيب رحمه الله إذا دخل بيته سكن أهله لا يرفعون الأصوات، فإذا كبر يصلي رفعوا أصواتهم وتكلموا، لماذا؟ لأنه بإقباله على صلاته وبانشغاله بها لا يسمع صوت من حوله ولو رفعوا الأصوات. فقوله وجد بهن حلاوة الإيمان؛ يعني لذة الإيمان وطعمه. الخصلة الأولى: { أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما } أي من سائر الدنيا ومن سائر الأفراد، محبة الله ومحبة رسوله أحب إلي المؤمن الذي يجد لذة الإيمان من نفسه ومن ولده ومن والده ومن أمواله ومن دنياه ومن لذاته ومن أملاكه ومن شهوات نفسه كلها، يقدم محبة الله تعالى ومحبة رسوله على كل شيء من الدنيا ومما عليها. وإذا كان كذلك فإنه يجد للإيمان حلاوة وإذا كان كذلك فإنه يجد للأعمال لذة، وإذا كان كذلك فإنه يستكثر من الأعمال الصالحة، ويتلذذ بالصلوات وبالصدقات وبالصيام وبالأعمال الشاقة ولو كان فيها مشقة على نفسه؛ وما ذاك إلا أنها محبوبة لسيده محبوبة لربه، فيكابد المشقات ويجدها سهلة لذيذة عنده، كما كانت سهلة ولذيذة على أولياء الله تعالى. الصلاة مثلًا في الليل ثقيلة على الكثير من النفوس ولكنها لذيذة عند الذين يحبون مناجاة ربهم، وكذلك أيضًا إسباغ الوضوء في أوقات الشتاء وفي أوقات شدة البرد فثقيلة ولكنها لذيذة عند أهل الإيمان الصادق، فيجدون لها لذة وحلاوة، وكذلك أيضًا بقية الأعمال الصالحة، فإذا كان ذلك كذلك؛ فإنه صادق في أنه يحب الله تعالى ويحب رسوله. وقد جعل الله تعالى لمحبته ومحبة رسوله علامة واضحة، ذكر أن اليهود قالوا: { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } ؛ فامتحنهم الله؛ أنزل آية في سورة آل عمران وهي قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } تسمى هذه الآية آية المحنة التي فيها امتحان كل من يدعي محبة الله تعالى أن يمتحن، ويقال له: إن لمحبة الله علامة وهي اتباعك لرسوله صلى الله عليه وسلم فإن اتبعته في كل دقيق وجليل فأنت صادق، وإن لم تتبعه فإن دعواك كاذبة... وذكر عن بعض السلف أنه قال: من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة أي هو كذاب، إذا كان يقول: إني أحب الله ومع ذلك لا يوافقه ولا يفعل ما يأمره الله تعالى به؛ فإنه كاذب في دعواه. وكذلك أيضًا من علامة محبة الله تعالى كراهة ما نهى عنه من المحرمات، ولو كانت لذيذة عند النفس. سئل بعض السلف قيل: له متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يبغضه أمر عندك من الصبر، إذا كنت كذلك فأنت صادق في أنك تحب الله. إذا كانت المعاصي مكرهة عندك، أمرَّ عندك من الصبر ولو كانت مستلذة. الخمر مثلًا شراب لذيذ عند النفوس ولكن مر زعاف عند أولياء الله تعالى، الزنا تشتهيه النفس وتهواه ولكنه كريه عند أهل الإيمان ينفرون منه ويستبشعونه ويستثقلونه ويكون عندهم أمر من الصبر. وكذلك شهوات النفس كالغناء واللهو وما أشبه ذلك، إذا كان الله تعالى حرمها؛ فإن المؤمن يكرهها وتكون عنده ثقيلة ولو كانت النفس تستلذ بها. فإذا كان كذلك فإنه يكون صادقًا في أنه يحب الله ويحب نبيه صلى الله عليه وسلم. يقول ابن القيم في نونيته : أتحـب أعـداء الحبيـب وتدعـي حبـا لـه مـا ذاك فـي إمكــان يقول: كيف تحب أعداء الله، وتقول مع ذلك إني أحب الله؟ هذا ليس بصحيح ليس حبك صادقًا، ويقول أيضًا : حب القـرآن وحب ألحـان الغنـا فـي قلـب عبـد ليسـا يجتمعـان من أحب الله تعالى فإنه يكره أعداء الله، من أحب طاعة الله فإنه يكره معصية الله، من أحب الله فإنه يطيعه فيلتزم بطاعته. فأما إذا كان يعصي الله فإنه ليس بصادق في أنه يحب الله، يقول بعضهم: تعصي الإلـه وأنت تزعـم حبـه هـذا لعمـري في الفعـال بديـع لـو كـان حبك صادقًـا لأطعتـه إن المحـب لمـن يحـب مطيـع هكذا هو الواقع إن المحب لمن يحب مطيع، فأما الذي يحب الله ثم مع ذلك يعصيه؛ فإنه ليس بصادق. والذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا يتبعه ليس بصادق في هذه المحبة، فللمحبة هذه العلامات الظاهرة. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المحبة آثارًا أيضًا ومكملات وهي الخصلتان الباقيتان فإنهما مكملتان لمحبة الله ورسوله: { أن يحب المرء لا يحبه إلا لله } يعني يحب الإنسان لا يحبه إلا لله، واجب على المؤمنين التحاب في ذات الله تعالى، فيحب بعضهم بعضًا لله وفي ذات الله تعالى. ومن كان كذلك فإنه يعتبر محبًا لله؛ وهو أن من أحب الله أحب أولياءه، إذا أحببت الله تعالى أحببت كل مؤمن وأحببت كل مسلم صادق في إسلامه، من أحب الله تعالى أحب أولياءه، هذه أيضًا من علامات المحبة؛ بمعنى تحبهم لأن الله تعالى يحبهم، تحبهم لأنهم يحبون الله تعالى، فسر بعضهم... أسئـلة س: .. فضيلة الشيخ ينتشر بين .. الآباء من يأتي بابنه إلى المسجد ومنهم من يقول: إنه في الرابعة أو الخامسة من عمره ... يلعب في الصف ... فما توجيهكم حفظكم الله؟ نرى أن هذا ليس بجائز؛ ورد حديث في السنن: { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم } ؛ يعني السفهاء لا شك أنه في السنة الرابعة أو الثالثة -ونحوها- لا يعقل، ولا يتأدب، وأنه يعبث كثيرا ويتقدم ويتأخر ويلتفت ويتكلم، ويتحرك حركة تشوش على من حوله. أما إذا كان مميزا في السنة السابعة أو ما بعدها يقبل التعليم، فإنه مأمور بالإتيان به وتعليمه. س: ما عقاب من يتهاون بصلاة الفجر ولا يصليها في المسجد أرجو التعليق على ذلك؟ صلاة الفجر أصبحت ثقيلة على كثير من الناس، فالواجب على جيران مَن هذا فعله أن ينصحوه ويخوفوه ويحذروه من ذلك، فورد أنها أثقل صلاة على المنافقين، وورد في فضلها كثير؛ فالواجب على الإنسان أن يهتم بالصلاة ويستعد لها، وإذا كان ثقيل النوم يوكل من يوقظه للصلاة من جيرانه ولو باتصاله بالهاتف أو ما أشبه ذلك حتى يأتي إلى الصلاة نشيطا، ويفعل الأسباب التي تعينه عليها. س: جزاكم الله خيرا. فضيلة الشيخ هنا دعوة من أهالي .. الشمالية ... مندوب الدعوة .. فيها فهم يدعونكم لإلقاء محاضرة مباركة في مسجد أبي يحيي ... وجزاكم الله خير الجزاء. نعتذر هذه المرة لقد قسمنا أوقاتنا على كثير من القرى التي طلبت أهاليها محاضرات فلعلهم يعذرونا هذه المرة، يجدون إن شاء الله من المشائخ الآخرين من يقوم بها. جزاكم الله خيرا. نشكر فضيلة الشيخ. |