إنكار المعتزلة صفة الكلام لله تعالى والرد عليهم

أما الذين نفوا هذه الصفة كالمعتزلة فإنهم بالغوا في إنكارها، وادعوا أن الكلام لا يكون إلا من اللسان ومن اللهوات ومن الحنجرة ومن الشفتين وإثبات ذلك تشبيه، الرب ليس شبيها بعباده، ولا يعرف كلام إلا ما يسمع من المتكلم، والجواب: أن هذا فيما تعرفونه أما الرب تعالى فإنه يتكلم كما يشاء وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل شيء كلاما بحسبه مع إثباته ذلك للجمادات، قال الله تعالى مخاطبا السماوات والأرض: { اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } تكلمت السماوات والأرض { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فهل للسماوات لسان أو لهوات أو شفاه؟ أنطقها الله تعالى بل أخبر الله أيضا بأن الجوارح تنطق أن الأيدي تنطق مع أنه ليس لها لسان ولا لهوات، وكذلك الأرجل وكذلك الجلود { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } أنطق الله كل شيء وأخبر أيضا بأن الأرض تتكلم، ذكروا في تفسير قول الله تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } أن الأرض تحدث بما عمل عليها كل بقعة تتكلم، وتقول: عمل علي فلان كذا خيرا أو شرا وهذه البقعة لا يقال: إن لها لسانا ولا لهوات ولا غير ذلك من الجوارح التي هي آلة الكلام؛ ولكن ينطقها الله تعالى فكيف يقال: إن إثبات الكلام لله يلزم منه أن يكون شبيها بكلام المخلوقين؟ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة وقع كلام الله عندما يسمعه الملائكة؛ فيصعقون وتسمعه السماوات ترتجف رجفة أو رعدة شديدة خوفا من الله تعالى، وكذلك أخبر الله بأن المخلوقات أيضا تتكلم، في قوله تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } وإن من شيء يعني: يدخل في ذلك الجماد، ويدخل فيه الحيوانات، ويدخل فيه الوحوش وما أشبهها، أنها تسبح بحمده يعني: إما بلسان الحال وإما بلسان المقال، وإن من شيء. فإذا قيل: إن هذه الجمادات تسبح بحمده فهل يقال: إن لها ألسنا وإنها تسمع، يعني: يسمع كلامها، نقول: هذا ليس بلازم، فعلى هذا كيف تنكرون أن يكون الله تعالى يتكلم كما يشاء؟ فإنه سبحانه يفعل ما يشاء، ويتكلم كيف يشاء، ولا يلزم من إثبات كلامه تشبيه ولا تمثيل. لنقف عند هذا وللكلام صلة فيما يتعلق في القرآن كلام الله.