أما المعتزلة فإنهم حدثوا في أول القرن الثاني أو في قريب منه وكان أول من حدث منهم واصل بن عطاء كان من تلامذة الحسن البصري رحمه الله، وكأنه دخل في بدع الخوارج فزين له شيء من بدع الخوارج، فوافق الخوارج على أن العاصي ليس بمسلم؛ ولكنه لم يجرؤ أن يقول: إنه كافر حلال الدم والمال كما تقوله المعتزلة، كان لما برز فصيحا وبليغا؛ إلا أنه كان ألثغ بالراء لا ينطقها كما هي يجعلها غينا؛ فكان إذا تكلم يتجنبها في كلامه. لما كان مرة في حلقة الحسن البصري سأل إنسان عن رجل أسرف في الذنوب، وقبل أن يجيب الحسن برز واصل وأجاب وقال: أنا لا أقول إنه مسلم، ولا أقول إنه كافر؛ بل في منزلة بينهما، ثم اعتزل مجلس الحسن وصار يقرر مذهبه في زاوية، واجتذب بعض التلاميذ، وصار الحسن رحمه الله إذا جاءه من يتهمه بأنه يميل إلى البدعة، يقول: هذا قول أولئك المعتزلة، يعني: الذين اعتزلونا، ولا يزال يشير إليهم اعتزلنا واصل وهكذا إذا أراد أن يحذر منهم قال: احذروا أولئك المعتزلة؛ فسموا بالمعتزلة. ولا يزالون موجودين ويعترفون بهذا الاسم، أعني: يسمون أنفسهم معتزلة، بمعنى: أنهم انعزلوا عن غيرهم، هكذا يدَّعون، والصحيح أن تسميتهم أنهم اعتزلوا مجلس الحسن وأن الحسن هو الذي كان سماهم أو أشار إليهم، وما روي: أن رئيسا لهم يقال له: العزلي أو ابن عزال ما أذكر لذلك دليلا. وجملة معتقدهم يدور على خمسة أصول، يسمونها بأسماء حسنة. - الاسم الأول- التوحيد: ويريدون به نفي الصفات، ويدعون أن من أثبت صفة فقد أشرك؛ وذلك لأن أخص صفات الله تعالى عندهم القدم؛ فهم يقولون: نثبتُ ذاتا لله تعالى قديمة، ونتحاشى أن نثبت غيرها، فإذا قلنا: الله قديم، وسمعه قديم، وبصره قديم، وعلمه قديم، وقدرته قديمة، وحياته قديمة، لم نكن أثبتنا واحدا من القدماء؛ بل أثبتنا عددا كثيرا من القدماء، خيل إليهم أن الصفة شيء زائد على الموصوف. - فلذلك يغالون في التوحيد فيقولون: نحن أهل التوحيد وأنتم أهل التعديد؛ حيث إنكم تثبتون عددا، فتثبتون العزة وتثبتون الرحمة وتثبتون الوجه وتثبتون الكلام ونحو ذلك، فلا يكون عندكم القديم واحدا بل القدماء كثير، وهذا تلبيس منهم وإلا فالأصل أن الصفة تابعة للموصوف، وأن الله تعالى واحد بصفاته، ومن أثبت صفاته كلها لا يقال: إنه أثبت عددا؛ فإن الصفة تابعة للموصوف، فإنك تقول مثلا: جاءني زيد، جاءني زيد وحده، واحد ولا تعدد صفاته، ولا تقول: جاءني زيد وسمعه وبصره ورأسه ويداه ورجلاه؛ بل هو واحد بصفاته. فكذلك إذا قلنا: الله تعالى واحد فصفاته من ذاته؛ فلا يلزم من إثبات الصفات إثبات تعدد ، هذا هو الأصل في إثبات هذه الصفات، فهم أثبتوا الذات، ولم يثبتوا شيئا من الصفات؛ خوفا من التعدد هذا الأصل الأول، التوحيد. والأصل الثاني عندهم يسمونه العدل، ويعنون بذلك أن الله تعالى غير قادر على أفعال العباد، يعني يقولون: إنه لو خلق الكفر والمعاصي في العبد ثم عاقب عليها لكان ظالما؛ فمن العدل أن الإنسان هو الذي يخلق فعله، وهو الذي يتصرف في نفسه، ولا يتصرف الله فيه، فلا يهدي من يشاء، ولا يضل من يشاء، وليس له قدرة كاملة على كل شيء؛ فتنقصوا الله تعالى وهذا أيضا داخل في الصفات، حيث سلبوا الله تعالى القدرة الكاملة وسموا ذلك بالعدل. الأصل الثالث- المنزلة بين المنزلتين، ما قالوا: إن العاصي كافر حلال الدم والمال، ولا قالوا: إنه مؤمن، معه نفس الإيمان والإسلام؛ بل أخرجوه من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر. والأصل الرابع: إنفاذ الوعيد، بمعنى: أنهم يعتقدون أن أصحاب المعاصي مخلدون في النار، وافقوا الخوارج على ذلك. والأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُضَمنون ذلك جواز الخروج على الأئمة إذا ظهرت منهم مخالفات من باب إنكار المنكر . |