ثمرة الإيمان بصفة العلم لله تعالى

ثم من فائدة الإيمان بالعلم أن يستحضر الإنسان أن ربه يعلم أحواله ويعلم جميع خفاياه قال الله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } أخبر تعالى بأنه يعلم ما يخطر بباله وما توسوس به نفسه، وإذا كان كذلك فلا بد أنه يستحضر عظمة ربه الذي هو مطلع عليه، والذي يسمع، والذي يعلم أحواله، ويعلم ما يجول في ضميره، ويعلم أنه قادر عليه، وأن جميع ما يتكلم به فإن الله عالم به لا يخفى عليه شيء منه؛ فيستفيد من ذلك مراقبة الله تعالى. ويستفيد من ذلك عدم الإقدام على شيء من معاصيه، كيف أعصيه وهو يعلم حالتي؟ كيف أعصي ربي وهو عالم بما أقوله، وعالم بما يجول في ضميري من خير أو شر؟ كيف أقدم على مخالفة أمره وهو عالم بأحوالي كلها؟ يحمله ذلك على التوقف عن الإقدام على المعاصي والمحرمات، يستحضر أن ربنا سبحانه وتعالى عالم والخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا، وأنه اختص بعلم المتقدمين والمتأخرين، واختص بالعلوم الغيبية لا يعلمها إلا هو، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله وقرأ قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } } ؛ أي علمها عند الله وحده، فعلم الساعة أمر غيبي لا يعلم وقته وتحديده إلا الله تعالى. ولهذا أخبر بأنهم يسألون عن الساعة فأحالهم على علم الله، { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ } أي: علم وقتها وعلم قيامها عند الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } علمها عند ربي؛ فعلم وقت الساعة عند الله تعالى وهو من مفاتيح الغيب، وهو كذلك الذي ينزل الغيث، لا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله وحده، وليس لذلك وقت محدد يعلمه العباد ويتحققون أنه ينزل في اليوم الفلاني أو في المكان الفلاني، لا يعلم ذلك إلا الله وحده فهو من علم الغيب. ومن الخمس التي هي مفاتيح الغيب. ويعلم ما في الأرحام يعلم ما تشتمل عليه أرحام الإناث من البشر أو من الحيوانات، أو نحوها هل هو ذكر أم أنثى؟ العالم بذلك هو الله وحده؛ يعني كل أنثى يعلم ما تحمل به وما سوف تحمل به من الحيوانات والوحوش وما أشبه ذلك، قدر سبحانه المقادير والخلق، وقدر وجود الذكور ووجود الإناث وعددهم، وعلم ما سوف يحدث، وما سوف يتجدد من هذه المخلوقات -ذكورهم وإناثهم- فيعلم ما تشتمل عليه أرحام الإناث، يعني: حتى من الوحوش وما أشبهها، فإذا حملت هذه الشاة فمن الذي يعلم أن في بطنها واحدا أو اثنين، وأنه ذكر أم أنثى؟ الله هو العالم بذلك وحده، وكذلك بقية الحيوانات وما أشبهها، الذي يعلم ما في الأرحام هو الله وحده. { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } أية نفس لا يدري أين يذهب غدا؟ وماذا يحصل له في مستقبل أمره؟ بل لا يدري ما يحصل له بين الليل والنهار أو بينه وبين غروب الشمس أو طلوعها، لا يدري ماذا يحصل له، الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وصف الله تعالى نفسه بقوله: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } ؛ يعلم الغيب ويعلم المشاهدة التي هي شاهد الحال. { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } ؛ لا يدري الإنسان أي أرض يموت بها، هو يتحقق بأن الموت حاصل؛ ولكن لا يدري متى يأتيه أجله، وفي أي مكان يأتيه أجله؟ الغيب كله يعلمه الله تعالى وحده، هذه مفاتيح الغيب ذكرها الله تعالى بقوله: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي: كل ما يكون في البر من الحيوانات والنباتات وما أشبهها، يعلم ذلك كله، ويعلم ما في البر والبحر؛ أي: ما يكون في البحر من حيوانات، والجواهر وما أشبه ذلك، يعلم عددها، ويعلم أماكنها، { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا } فأية ورقة من شجرة لا تسقط إلا يعلمها، علم عدد الرمل، وعدد التراب، وعدد أوراق الشجر، وعدد قطرات المطر، وعدد قطرات البحر، علم لا يعلمه علم بالتفصيل إلا هو وحده.