فعرش الله تعالى مخلوق اختصه بالاستواء عليه، وقد فسر العلماء الاستواء، وبعضهم توقف عن تفسيره بقولهم: استواء يليق به، وأكثرهم ذكروا تفسيره. ولما أتى ابن جرير رحمه الله على الاستواء في سورة البقرة في قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ } فتكلم على الاستواء، وذكر أن له معاني. الاستواء: يأتي بمعنى التمام كما في قول الله تعالى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى } يعني: تم وكملت رجوليته، وتكامل عقله؛ لأنه هنا لم يقيد بحرف. وكذلك أيضا من معانيه: العلو إذا عدي بـ إلى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ } { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } فاستوى هنا معناها: علا وارتفع. وأما إذا قيد بـ"على" فليس له معنى إلا العلو مثل قوله تعالى: { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } يعني: سفينة نوح استقرت وارتفعت على الجودي الذي هو أعلى الجبال، ومثل قوله: { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } أي: ترتفعوا على ظهوره، ثم تقولوا، { إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي } كذلك قوله تعالى: { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ } يعني: ارتفع، فلأجل ذلك العلماء من أهل السنة تكلموا على الاستواء؛ فذكروا له أربعة تفاسير: تفسير أن استوى بمعنى: علا وارتفع، علا هذا واضح أنه العلو، وارتفع أنه الارتفاع، وصعد واضح أيضا أنه العلو، واستقر واضح أيضا أنه العلو. وفي أدلة ابن القيم في النونية يقول فيها في الدليل السادس عشر: هذا وسـادس عشرهـا إجمـاع أهـ ـل العلم أعـني حجـة الأزمـان من كـل صـاحب سنة شهـدت لـه أهل الحـديـث وشيعـة الرحمـن لا عـبرة لمـخــالف لهمـو ولـو كانوا عـديـد الشـاء والبعـران إلى قوله: ولهـم عبـارات عليهـا أربــع قد حـررت مـن فـارس الطعـان وهي استقر وقـد علا وكـذلك ار تفع الـذي مـا فيـه من نكـران وكذاك قد صعـد الـذي هو رابـع وأبو عبيـدة صـاحب الشيبـانـي يختار هـذا القـول فـي تفسـيره أدرى مـن الجـهمـي بـالقـرآن والأشعـري يقـول تفسـير استوى بحقيقـة استولى مـن البهـتـان فذكر نصوص الأئمة أنهم فسروها بهذه التفسيرات الأربع. وأن الشيباني الذي هو أبو عبيدة معمر بن المثنى من علماء اللغة، وله كتب في اللغة يفسر استوى بمعنى صعد. وذكر أنه طرق عليه الباب أحد وهو في علية له فأراد أن يقول: اصعدوا فقال: استووا يعني: ارقوا، فعرف مع أنه لغوي فصيح أدرك اللغة قبل أن تتغير؛ فلذلك يقول ابن القيم وأبو عبيدة صاحب الشيباني يعني أبو عبيدة معمر بن المثنى يختار هذا القول يختار تفسير استوى بمعنى: صعد في تفسيره. أدرى من الجهمي بالقرآن يعني أن الجهمي ليس له علم ولا معرفة بتفاسير اللغة ولا بالقرآن، والأشعري الذي هو أبو الحسن رحمه الله يقول: إن تفسير استوى بمعنى: استولى من البهتان؛ ولذلك أنكر ذلك في رسالته، ولعلكم قرأتموها، الرسالة المختصرة بعنوان، الرسالة التي قالوا: إنه كتبها في آخر حياته. ولا شك أنها واضحة في أنه تراجع عما كان عليه، سماها "الإبانة عن أصول الديانة"، فلما ذكر الاستواء قال: وقد تأوله المعتزلة في أن استوى بمعنى استولى؛ ولو كان بمعنى: استولى لكان الاستيلاء عاما، فإن الله تعالى قد استولى على الأرض، واستولى على المخلوقات كلها؛ فلا يكون للعرش خصوصية بأنه استولى عليه، فلذلك رد هذا التأويل. والأشعـري يقـول تفسـير استوى بحقيقة استولى مـن البهـتـان يوجد في بعض الذين ينقلون عنه نقلا خطأ: والأشعـري يقـول تفسـير استوى بحقيقة استولى على الأكـوان وهذه أظنها مقولة في المعنى وهي خطأ. |