أولا: الحكمة في جعل هذا الليل والنهار ومرورهما على هذا المقدار ذكرها الله تعالى في عدة آيات، فقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } . فأخبر بأنه من حكمته { جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً } يعني: مضيئة ويكون وقتها وقت طلوعها نهارًا يتقلب فيه العباد في حوائجهم وأعمالهم، وجعل القمر نورا يضيء أيضا في الليالي المظلمة عند الحاجة إليه. وقد جرى القمر منازل ينزل كل ليلة في منزلة، إلى أن تنتهي منازله لماذا؟ { لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فأخبرنا بأننا لنا منفعة ومصلحة بمرور هذا اليوم وهذا الليل؛ حتى نعرف عدد السنين وعدد الحساب. وهكذا يقول تعالى في آية أخرى: { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا } فآية الليل هي القمر، محا الله ضوءه ولم يكن كضوء الشمس، فجعله ممحوا يعني: فيه هذا المحو، وجعل نوره مكتسبا ممدا من ضوء الشمس. وكذلك: { جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً } ؛ مضيئة. الحكمة في ذلك { وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } ولا شك أن لكم مصلحة في معرفة السنين والحساب بآياتها الظاهرة الواضحة؛ فالشمس يُعرف بها مقدار الليل والنهار. مرور الشمس وطلوعها وغروبها يعرف به عدد الأيام، وكذلك يعرف به أيام الأسابيع التي تمر. نعرف مدة الأسبوع بالشمس. وكذلك الليل والنهار نعرفه بالشمس. وأما القمر فنعرف به عدد السنين وعدد الأشهر؛ لكونه آية ظاهرة؛ جعلها الله علامة يعرف به انقضاء الشهر، وبالأشهر تعرف السنوات؛ ولذلك يقول تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أخبر بأنه: { جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } يعني: يأتي هذا بعد هذا. كلما انقضى ليل جاء بعده نهار وهكذا. |