............................................................................... وأصل مادة "الكاف والتاء والباء" كتب؛ أصل هذه المادة في لغة العرب التي نزل بها القرآن -معناها الضم والجمع، فكل شيء ضممت بعض أجزائه إلى بعض فقد كتبته. ومنه قيل للكبكبة من الجيش كتيبة؛ لأنها طائفة من الجيش جمع بعض أطرافها إلى بعض كما قال نابغة ذبيان ولا خير فيهم غير أن سيـوفهـم بهن فلـول مـن قـراع الكتـائب ولذا قيل للخياطين: كاتبين؛ فالعرب تسمي الخائط كاتبا، وتسمي الخياطة كتابة؛ لأن الخياط يضم أطراف الثوب بعضها إلى بعض. وكذلك الخراز تسميه العرب كاتبا، لأنه يضم بعض أطراف الجلد إلى بعض ويخرزها فيجمعها بالسير، وقيل له: كاتب؛ لأنه ضم بعض الأجزاء إلى بعض. وفي لغة الحريري في مقاماته : وكاتبين ومـا خـطت أنـاملهـم حرفا ولا قرأوا ما خـط في الكـتب يعني بهم: الخياطين. ولذا تسمي العرب الخرزة الذي يجمع السير وجهيها تسميها كتبة، وتسمي السير أيضا الذي يجمعها كتبة، فعلة من الكتب بمعنى الضم والجمع. ومن هذا المعنى: هو تسمية الخرزة التي يجمع السير طرف وجهيها في خياطة الجلود أنها تسمى كتبة، وتجمع على كتب بضم الكاف وفتح التاء. من هذا المعنى قول غيلان ذي الرمة ما بال عينيك منها الماء ينسكـب كأنه مـن كــلى مفريـة سـرب وفراء غرفية أثـأى خـوارزهـا مشلشل ضيعتـه بينـهـا الـكـتب يعني أن دمعه يسيل بكثرة كما أن الخرز إذا اتسعت عن السير وصارت فيها فجوات انصب الماء منها من السقاء بكثرة؛ ولذا كانت العرب تقول: اكتب بغلتك، واكتب ناقتك؛ يعنون أن يجمع طرفي فرجها بحلقة لئلا ينزي عليها الذكر فتحمل. وكان يقول الشاعر يهجو بني فزارة من قبائل ذبيان من قيس عيلان بن مضر كانت العرب تعيرهم بأنهم يفعلون الفاحشة مع إناث الإبل وكان الشاعر يقول: لا تأمـنن فـزاريا خلـوت بــه على قـلـوصـك واكتبـهـا بأسيار يعني: خط فرجها بأسيار لئلا يزني بها إن خلا بها. وقصدنا بهذا الكلام الخبيث بيان لغة العرب لا المعاني الخسيسة التافهة؛ لأن معاني لغة العرب يستفاد منها ما يعين على فهم كتاب الله وسنة رسوله، وإن كان مفرغا في معاني خسيسة تافهة، فنحن نقصد مطلق اللغة لا المعاني التافهة التي هي تابعة لها. إذا عرفتم هذا فالكتابة مصدر.. سميت كتابة؛ لأن الكاتب يضم حرفا إلى حرف ويجمع حرفا مع آخر، وحرفا مع آخر حتى تحصل من هذا نقوش وحروف تدل على معاني الكلام، ولهذا سمي الكتاب كتابا. وقوله: { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } الجملة الفعلية في قوله: { أُنْزِلَ إِلَيْكَ } في محل النعت لقوله: { كِتَابٌ } ؛ لأن النكرات تنعت بالجمل، ويربط بينها وبين النكرة بالضمير كما هو معروف. وفاعل الإنزال محذوف، والأصل: "أنزله الله إليك" وإنما حذف الفاعل اختصارا؛ لأن من المعلوم أن هذا القرآن العظيم والمعجز الجامع لكل خير الشامل لعلوم الأولين والآخرين -ليس هناك من يقدر على إنزاله إلا خالق السماوات والأرض. فلما كان المنزل معلوما كان هذا الاختصار والإيجاز واقعا موقعه؛ لأن الفاعل معروف فلو حذف لما ضر حذفه؛ لذا قال: { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } ؛ أي أنزله الله إليك. فقد أنزله الله إليه أنجما منجمة في حوالي ثلاث وعشرين سنة. |