............................................................................... وقوله: { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } ؛ يعني هذا الكتاب أنزله الله إليك { لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } فاللام في قوله: { لِتُنْذِرَ } الآتي تتعلق بقوله: { أُنْزِلَ } يعني { أُنْزِلَ إِلَيْكَ } ؛ لأجل أن تنذر به، وأن تذكر به؛ فلا تعجز عن ذلك الإنذار ولا يضق صدره عنه: { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } . صدر الإنسان معروف. وإذا جاء على الإنسان أمر يثقل عليه أو يشق عليه أورثه ضيقا في صدره. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يشق عليه ويضيق بصدره التكذيب من حيث إن الكفار يكذبونه، ويقولون: له أنت كذاب، أنت ساحر، أنت شاعر، أنت كاهن، هذه أساطير الأولين علمكها بشر. فتكذيبهم له وأذيتهم له يشق عليه؛ كما قال الله: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } وقال: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ } وفي القراءة الأخرى "ليحزنك الذي يقولون"؛ أي { فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } ؛ أي ضيق؛ يعني أوسع صدرك وتحمل الأذى وشق الطريق في تبليغ هذا القرآن العظيم والإنذار به والتذكير به، لا تضعف ولا تجبن ولا تخف من الأذى ولا يضق صدرك به. "والحرج" في كلام العرب أصله معروف. في كلام العرب أن الحرج في لغة العرب الضيق، وقد يسمون الشجر الملتف الذي لا تصل إليه راعية يسمونه حرجة؛ لضيق مكانه وقد كانوا يقولون في قصة غزوة بدر: فإذا أبو جهل كالحرجة. يعني لشدة ازدحام قريش عليه وصيانتهم له يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه. كالشجرة الملتف عليها الشجر، لا يمكن أن يوصل لها. هذا أصل الحرج في لغة العرب الضيق، وقد بيناه في قوله: { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } . وكون الحرج هو الضيق هذا هو المعروف في لغة العرب، ومنه قوله: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ؛ أي ما جعل عليكم من ضيق. وأحرجه أوقعه في الحرج؛ ولذا سميت الطلقات الثلاث المحرجات؛ لأنها تضيق على صاحبها وتمنعه من رجعة امرأته، واليمين قد تكون محرجة؛ لأنها تمنع من المحلوف عليه، وهذه المعاني معروفة في كلام العرب. ومنه قول عمر بن أبي ربيعة أو جميل بن معمر على الخلاف المعروف في الشعر المشهور: قالت وعيش أبي وحرمـة إخـوتي لأنبهن الحي إن لــم تخرجــي فخرجت خوف يمينـهـا فتبسمـت فعلمت أن يمينهـا لـم تحــرج أنها يمين ليست مضيقة وأنها كلا شيء. وكذلك قول العرج بن عمرو بن عثمان . عوجي علينـا ربــة الهــودج إنك إلا تفعلــي تحــرجــي يرويه كثير ممن روى "إنك إن لا تفعلي تحرجي"؛ أي تقعي في الحرج الذي هو الإثم والضيق بالذنوب. والأظهر أن أصله تحرجي؛ أي توقعي صاحبك في حرج وضيق بحيث هجرته. هذا أصل الحرج في لغة العرب. وعليه فالآية كقوله: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ } وكقوله: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } . |