الطواف لا يصح من العريان

............................................................................... وهي دليل واضح على أن الطواف لا يصح من العريان، كما عليه جمهور العلماء، وأن الصلاة أيضا لا تصح مع كشف العورة، خلافا للإمام أبي حنيفة رحمه الله في الطواف. ويؤيد معنى ما دلت عليه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: الذي أرسل عليا ينادي به، { وألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان } وهذا معنى قوله: { خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ؛ أي لا تأتوا الطواف مكشوفة عوراتكم، ولا تأتوا مساجد المسلمين مكشوفة عوراتكم، كما كان يفعله المشركون في مسجد مكة . لأنا ذكرنا عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير كما أخرجه مسلم في صحيحه { أن هذه الآية نزلت في أن المشركين كانوا يطوفون عراة، حتى إن المرأة لتقول: اليـوم يبـدو بعضـه أو كـلــه فمـا بــدا منــه فـلا أحلــه } . وهذا الحديث الذي له حكم الرفع الثابت في صحيح مسلم ؛ لأنه تفسير من ابن عباس يتعلق بسبب النزول، فكأن ابن عباس يفسر الزينة بأنها لبس الثياب عند الطواف والصلوات. وتفسير الصحابي إن كان له تعلق بسبب النزول كان له حكم الرفع، كما هو مقرر في علوم الحديث. وهذا يدل على أن قائلة البيت من اللاتي كن يطفن بالبيت وهن عريانات يتقربن بذلك إلى الله، مع أنه ذكرت جماعة من المؤرخين للبيت المذكور قصة غير ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس والظاهر أن ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس أثبت. فقد ذكر غير واحد ممن تكلم على الصحابة في ترجمة ضباعة بنت عامر بن لقير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة هي من بني قشير الذين منهم مسلم بن الحجاج القشيري وكانت امرأة ذات جمال، وأنها تزوجها عبد الله بن جدعان التيمي الجواد المشهور، وجاء بها إلى مكة . وكان من أعظم فتيان مكة في ذلك الزمان هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو المخزومي والد أبي جهل فأعجبه جمال ضباعة بنت عامر التي هي زوجة ابن جدعان ؛ فصار يأتيها ويقول لها: إن هذا الشيخ الكبير الذي ليس له جمال، لا يناسب جمالك وكمالك؛ فتطلقي منه لأتزوجك، يخببها عليه. فخببها عليه، فطلبت من ابن جدعان الطلاق. لما طلبت منه الطلاق قال: نعم، بشرط أن تنحري كذا وكذا جزورا مائة من الإبل أو أكثر، أو تغزلي غزلا، يمتد من هنا إلى جبل كذا، وأن تطوفي ببيت الله وأنت عريانة، فقالت له: أصبر، حتى أفكر في شأني. فجاءها هشام وكان هشام من عظام فتيان مكة وقد قال فيه الشاعر لما مات: فأصبـح بطــن مكــة مقشعـرا كـأن الأرض ليـس بهــا هشام فلما جاءها هشام بن المغيرة والد أبي جهل وقصت عليه القصة قال لها: التزمي له كل ما اشترط عليك، فأنا أعطيك مائة جزور، وما شئت من الإبل تنحرينه، وآمر نساء بني المغيرة أن يغزلن لك الغزل الذي فعل، وأطلب من قريش أن يخلوا لك البيت حتى تطوفي به وحدك وأنت عريانة، وأنه وفى بما فعل، أعطاها الإبل فنحرتها، وغزل لها الغزل، وطلب من قريش فأخلوا لها البيت . والذين يذكرون القصة من كتب الصحابة، كما في الإصابة والاستيعاب، وغيرهما من كتب الصحابة، ممن ذكروا هذه القصة زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت طفل صغير ولدته معه المطلب بن أبي وداعة السهمي وأنهم بقوا لصغرهم، وأنهم رأوها تنزع ثوبا ثوبا، حتى بقيت ليس عليها شيء، وصارت تقول: اليـوم يبـدو بعضـه أو كـلــه فمـا بــدا منــه فـلا أحلــه قالوا: ولما كشفت عنها جميع الثياب نشرت شعرها حتى تدلى عليها، وستر عورتها، وأنها هي التي قالت هذا البيت؛ ولذلك قال عياض في شرح مسلم في الكلام على البيت في مسلم: أن قائلته ضباعة هذه، ولكنه تلفيق لقصة بقصة أخرى. وزعم من ذكر هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك خطبها عند ابنها. والظاهر أنه ابنها سلمة بن هشام ؛ لأنها ولدت منه ابنها سلمة الذي كانت ترقصه وهو صغير، وتقول: اللهـم رب الكعبــة المحرمــة أظهـر علـى كـل عـدو سـلمه وأنه قال: حتى أستأذنها فذهب ليستأذنها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جمالها الذي عهده أنه تغير، وأنها سقطت أسنانها، وذهب جمالها. فلما جاء يستأذنها غضبت عليه، وقالت: أتستأذنني في رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رجع إليه أعرض عنها النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا ذكروه في هذه القصة، والله أعلم بصحتها. أما قوله: { نزلت في المرأة التي كانت تطوف بالبيت عريانة } فقد أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس والظاهر أنه أثبت من هذا، والله تعالى أعلم. معنى الآية الكريمة: { خُذُوا زِينَتَكُمْ } ؛ أي ثيابكم التي تسترون بها عوراتكم، وتتجملون بها عند كل مسجد لإقامة الصلوات، وخصوصا المسجد الحرام للطواف والصلاة فيه، خلاف ما كان يفعله المشركون.