{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قرأ هذا الحرف حمزة وحده " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"، وقرأ بقية القراء: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحدهما، دون غيرهما "ما لم يُنْزل به سلطانا" بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الجمهور { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } بفتح النون وتشديد الزاى مضارع "نزل". { قُلْ } لهم يا نبي الله: هذا الذي تحرمونه ليس هو الذي حرمه الله، الذي حرمه ربي إنما حرمه ربي على الحقيقة، والحرام هو ما حرمه الله، والحلال هو ما أحله الله { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } . { الْفَوَاحِشَ } جمع فاحشة، وهو جمع قياسي؛ لأن "الفاعلة" مطلقا، و"الفاعل" إن كان اسما أو صفة لما لا يعقل -كله ينقاس جمع تكسيره على "فواعل". والفاحشة هي كل خصلة تناهت في القبح، حتى صارت قبيحة بالغة نهاية القبح من الذنوب والمعاصي. { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قد قدمنا أقوال العلماء على هذا في الأنعام في قوله: { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } وأنها كلها ترجع إلى شيء واحد، وقال بعضهم: { الْفَوَاحِشَ } الظاهرة هي الزنا مع البغايا ذوات الرايات، { الْفَوَاحِشَ } الباطنة هي الزنا مع الخليلات والصديقات، التي يزنى بهن سرا في البيوت. وقال بعض العلماء: ما ظهر من { الْفَوَاحِشَ } ؛ كنكاح زوجات الآباء كما تقدم في قوله: { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا } وأن { وَمَا بَطَنَ } منها هو الزنا. والتحقيق أن الآية الكريمة تشمل جميع المعاصي والذنوب، لا تفعلوا شيئا ظاهرا علنا أمام الناس ولا شيئا باطنا في خفية لا يطلع عليه أحد، وهو يشمل جميع التفسيرات الواردة عن الصحابة وغيرهم. و"الفواحش" ظاهرها وباطنها تشمل جميع الذنوب إلا أن الله عطف بعضها على بعض عطف خاصا على عام. وقد تقرر في "المعاني" أن عطف الخاص على العام، وعطف العام على الخاص إن كان في كل منهما في الخاص أهمية لا تكون في غيره من أفراد العام -أنه سائغ، وأنه من الإطناب المقبول؛ لأجل الخصوصية التي في الخاص؛ فكأن تميزه بخصوصيته جعله كأنه قسم آخر غير أقسام العام، فحسن عطفه عليه. وهنا عطف الخاص على العام؛ لأن المعطوفات الآتية كلها داخلة في { الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وقول من قال: إن { مَا ظَهَرَ } هو الزنا مع البغايا ذوات الرايات، { وَمَا بَطَنَ } الزنا مع الخليلات الصديقات التي يزنى بهن سرا. أو أن { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } هو نكاح زوجات الآباء، { وَمَا بَطَنَ } هو الزنا إلى غير ذلك من الأقوال. جميعه كله يشمله التفسير العام الذي هو الصواب، وأن الله نهى عن ارتكاب جميع المحرمات، سواء كان ذلك ظاهرا أمام الناس، أو خفية بحيث لا يطلع عليه الناس، وهذا معنى قوله: { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وعطف على ذلك { وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ } قال بعض العلماء: { وَالْإِثْمَ } هو كل معصية تقتصر على نفس الإنسان، { وَالْبَغْيَ } هو كل معصية يظلم بها غيره. وقوله: { بِغَيْرِ الْحَقِّ } لا يكون بغي بحق أبدا، فكل بغي بغير حق لا شك، كما قال تعالى: { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } ومعلوم أن النبيين لا يقتلون بحق أبدا هو كالتوكيد، كقوله: { وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } { يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } . وقال بعض العلماء: بغير حق، كقوله: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } لأن من بغي عليه ثم انتقم قد يسمى هذا بغيا، كقوله: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وكما سمى الانتقام اعتداء في قوله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } سمى جزاء الاعتداء اعتداء، وجزاء السيئة سيئة، وإن كان الانتقام ليس سيئة وليس اعتداء. |